إسماعيل حمودي يكتب: غول المدارس الخاصة
آش واقع تيفي / رأي
يبدو أننا نتجه إلى بداية سنة دراسية صعبة بعد شهرين من الآن؛ بسبب التناقض الحاصل بين لوبي المدارس الخاصة من جهة، والأسر من جهة ثانية، حول مستحقات وواجبات التمدرس خلال أشهر الحجر الصحي. بعض المدارس، وهي قليلة جدا، بادرت من تلقاء نفسها إلى تخفيض مستحقات التمدرس، بل إن بعضها ألغى مستحقاته عن الأسر لشهر أو شهرين أو حتى ثلاثة أشهر، لكن أغلبية المدارس، وخاصة الغليظة منها، ترفض التنازل بشدة، دون أي مراعاة لتحملات الأسر التي ازدادت بسبب الحجر الصحي.
تحوّل الخلاف بين الطرفين إلى توترات واحتجاجات أمام أبواب المدارس مافتئت تتصاعد. لكن يبدو أن القرار الذي سيشعل الغضب أكثر وسط القطاع هو رفض بعض المدارس إعادة تسجيل تلاميذها للسنة الدراسية المقبلة، بحجة أن أسرهم لم تؤد واجبات التمدرس للأشهر الثلاثة الماضية. قرار صعب وصادم، لا شك أنه سيفاقم الأزمة أكثر، وقد يرهن الدخول الدراسي المقبل، إن لم يعالج على وجه السرعة.
ذلك أن رفض إعادة التسجيل من لدن هذه المدارس معناه دفع الأسر إلى نقل أبنائها من التعليم الخاص إلى التعليم العمومي، فهل تقبل وزارة التربية الوطنية بذلك؟ وهل هي مستعدة لوضع مربك مثل هذا خصوصا في المدن الكبرى، حيث تغلق مدارس عمومية كل سنة تقريبا؟
لا شك أن عدم استعجال الحل بين الطرفين، وخصوصا من لدن وزارة التربية الوطنية التي تعد القطاع الوصي على المدارس الخاصة، معناه السماح بانتشار الأزمة واتساعها من التعليم الخاص-الأسر، إلى التعليم العمومي الذي يعاني مشاكله الخاصة أيضا. إن الحجج التي نسمعها من الوزارة، والتي تفيد بأن القانون لا يسمح لها بالتدخل بين طرفين متعاقدين، ليست بالحجج المقنعة لأي أحد، خصوصا أن الجميع يعرف أن المدارس الخاصة تشتغل وفق منطقها الخاص، في غياب قانون، حتى الآن، يضبط علاقتها بالدولة وبالأسر.
المفروض في وزارة التربية الوطنية أن تحمي الطرف الأضعف من جشع لوبي المدارس الخاصة، لكن لا يبدو أنها قادرة على فعل ذلك حتى الآن. وهذا ما يفسر لجوء بعض الأسر إلى القضاء، الذي بتّ في أحكام ابتدائية، على صعيد الرباط، لصالح الأسر ضد المدارس الخاصة. هذا الطريق إن تواصل في شتى المدن، من شأنه أن يربك استقرار القطاع، وسلاسة الدخول الدراسي المقبل من أساسه، وأن يزيد عبئا إضافيا على الأسر والمدارس، وهما الطرفان المفروض فيهما التعاون بروح المواطنة للتغلب على صعوبات حالات الطوارئ الصحية في الأشهر المقبلة.
في الحقيقة، تعاني الأسر في صمت لوحدها منذ سنوات أمام تغول لوبي المدارس الخاصة. بعض المطلعين يتحدثون عن تواطؤات في هذا الصدد، لا تتعلق بالأسعار التي ترتفع سنويا خارج أية مراقبة فحسب، بل هناك حديث عن التجارة في الكتب المدرسية التي تتعدى المغرب إلى الخارج، ناهيك عن ضعف الحماية الاجتماعية للعاملين في هذا القطاع من مربين وأساتذة ومستخدمين. وفي العديد من المرات، أثير النقاش في الصحافة ووسائط التواصل الاجتماعي، مثل «فايسبوك»، حول جشع المدارس الخاصة، لكن الدولة، وأساسا الوزارة الوصية، ظلت دائما تؤكد عجزها عن التدخل والتحقيق في كل تلك الادعاءات، والنتيجة أن لا أحد قادر اليوم على ردع المدارس الخاصة.
ما أحدثته أزمة كورونا في العلاقة بهذه المدارس، أنها دفعت الأسر إلى التكتل في مواجهة هذا الاستغلال المقيت. وإذا كانت حالة الطوارئ الصحية لا تسمح بالتظاهر والاحتجاج اليوم، فإن رفع هذا المانع في الأشهر المقبلة، سيدفع بهذه الأسر إلى النزول إلى الشارع لعلها تجد آذانا تسمعها لدى الحكومة والدولة، بما أن الوزارة لا يمكنها التدخل في علاقة بين متعاقدين.
منذ بداية الألفية تواصل الحكومات دعم التعليم الخاص، حيث انتقل من 4 في المائة سنة 2004 إلى نسبة 13,5 في المائة من التلاميذ حسب إحصاء 2019، فيما المعدل العالمي هو 17,1 في المائة. والملاحظ أيضا أن انتشار التعليم الخاص يُوازيه تقلص في المدارس العمومية، وقد سبق لنسيج جمعوي مهتم بالشأن التعليمي أن رصد إغلاق 191 مدرسة عمومية خلال الفترة ما بين 2008 و2013، علما أن وتيرة الإغلاق في ارتفاع سنويا.
من الجيد أن يكون لدينا قطاع خاص قوي في كل القطاعات، فهو مؤشر على قوة الدولة المعاصرة اليوم، لكن يبدو أن الحكومات المتوالية، في سعيها إلى دعم وتقوية التعليم الخاص، نسيت أن تضع الأسس اللازمة لحماية الأسر من الجشع والاستغلال، ويبدو لي أن ما يقع اليوم في العلاقة بين الطرفين يعود بالأساس إلى غياب ضوابط منظمة للعلاقات بينهما في الظروف العادية والاستثنائية.
التعليقات مغلقة.