حسب بلاغ للديوان الملكي، ترأس الملك يوم أمس الاثنين 26 شتنبر بالقصر الملكي بطنجة، جلسة عمل، خصصت للقطاع الطاقي وبالأساس البرنامج الوطني لتنمية الطاقات المتجددة،وذلك بحضور رئيس الحكومة، ومستشارين للملك ، ووزير الاقتصاد والمالية ، ووزير الطاقة والمعادن والماء والبيئة ، ومدير المكتب الوطني للكهرباء والماء الصالح للشرب، ومديرة المكتب الوطني للهيدروكربورات والمعادن ، ورئيس مجلس إدارة الوكالة المغربية للطاقات المستدامة .
في سياق مابعد دستور 2011،تعتبر هذه الجلسة سابع جلسة عمل ،يصدر بشأنها بلاغ للديوان الملكي .
تاريخيا، وإلى جانب ترؤُّس الملك للمجالس الوزارية، شكلت جلسات العمل الملكية إحدى صيغ المساهمة المباشرة في صناعة السياسة العامة للدولة؛ حيث إنه عادة ما يكون موضوع هذه الجلسات يهم إحدى القضايا الأساسية للبلاد؛ وذلك بحضور المسؤولين المباشرين عن الملف المطروح (وزير، مسؤول مؤسسة أو مقاولة عمومية…)، وغالبا ما يكون الملك، الذي يترأس الجلسات، مرفوقاً بأحد مستشاريه، فيما لم يكن يتم استدعاء الوزير الأول- سابقا- في أكثرية هذه اللقاءات. وتحرص وسائل الإعلام العمومية على تغطية هذه الجلسات، انطلاقاً في الغالب من بلاغ للديوان الملكي.
وإذا كان الانتقال إلى دستور 2011، وما رافقه من خطاب حول نهاية «الملكية التنفيذية»، قد جعل المتتبعين يطرحون السؤال حول مصير هذه الجلسات الملكية، فإن الممارسة شهدت استمرار هذه الصيغة، وإن كان ذلك بوتيرة أقل؛ حيث تم الإعلان رسميا، دون احتساب الجلسة الأخيرة ليوم الاثنين الماضي ، عن ستة جلسات عمل؛ الأولى في ظل حكومة ذ. عباس الفاسي، وخصصت لتتبع سير البرامج المندمجة في مجال الطاقات المتجددة( الرباط /22شتنبر 2011).
أما جلسات العمل الملكية التالية، فقد انعقدت طبعا في ظل حكومة ذ.عبد الإله بنكيران المنتهية ولايتها قريبا ؛ حيث خُصصت الثانية لموضوع «السلوكات غير اللائقة ذات الصلة بالرشوة وسوء المعاملة الممارسة من قبل عدد من عناصر الأمن العاملين في عدد من المراكز الحدودية»؛ وذلك بحضور وزيري الداخلية والاقتصاد والمالية، والجنرال كور دارمي قائد الدرك الملكي، والمدير العام للأمن الوطني، والمدير العام للجمارك والضرائب غير المباشرة(البيضاء/9غشت 2012).
وبالنسبة إلى الجلسة الثالثة، فقد خُصّصت لتدارس مختلف الجوانب المرتبطة بإشكالية الهجرة،وكانت قد عرفت حضور رئيس الحكومة ،و أحد مستشاري الملك،و وزراء العدل والخارجية والداخلية ،بالإضافة إلى مكلف بمهمة في الديوان الملكي و الكاتب العام لوزارة التشغيل (البيضاء/10 شتنبر 2013).
جلسة العمل الرابعة ، خُصّصت لتقديم ودراسة مخطط العمل المتعلق بتنفيذ الاتفاقيات الموقعة مع المصنع «بي إس أ بوجو – سيتروين»،وكان قد حضرها رئيس الحكومة والوزراء الموقعون على الاتفاقيات المذكورة ومجموعة من مديري المقاولات العمومية المعنية(الرباط/ 24يونيو 2015).
جلسة العمل الخامسة ، خصصت للقطاع الطاقي، وأساسا للبرنامج الوطني لتنمية الطاقات المتجددة، وتميزت بتعليمات ملكية، من أجل إعداد تصور شامل بشأن الاستراتيجية الكفيلة بتحقيق انسجام أكبر بين مختلف الفاعلين المعنيين في هذا القطاع ،وكان قد حضر جلسة العمل هذه، رئيس الحكومة ، و ثلاتة مستشارين للملك ، ووزير الاقتصاد والمالية، ووزير الطاقة والمعادن والماء والبيئة ومدير المكتب الوطني للكهرباء والماء الصالح للشرب، ومديرة المكتب الوطني للهيدروكربورات والمعادن ، ورئيس مجلس الإدارة الجماعية للوكالة المغربية للطاقة الشمسية .(طنجة /13 أكتوبر 2015).
الجلسة السادسة ،خصصت كذلك لقطاع الطاقة بإعتبارها إمتدادا للجلسة السابقة ،وكانت قد تميزت بإصدار تعليمات ملكية حول تولى الوكالة المغربية للطاقة الشمسية (مازين)، قيادة قطاع الطاقات المتجددة وخصوصا الشمسية والريحية والكهرومائية،وهي الجلسة التي حضرها كل من رئيس الحكومة، ومستشارين للملك، ووزير الاقتصاد والمالية ، ووزير الطاقة والمعادن والماء والبيئة، ومدير المكتب الوطني للكهرباء والماء الصالح للشرب، ومديرة المكتب الوطني للهيدروكاربورات والمعادن ، ورئيس المجلس الإداري للوكالة المغربية للطاقة الشمسية. (البيضاء،26 دجنبر 2015).
قراءة سريعة في هذه الجلسات ،توضح أن رئيس الحكومة الحالية ،حضر خمس جلسات ،خلال ولايته (2011/2016)،حيث لم يشارك سوى في جلسة واحدة كانت قد خصصت لموضوع السلوكات غير اللائقة لبعض رجال الأمن في مراكز حدودية.
كما أن أكثر من نصف هذه الجلسات (4 جلسات من 7) خصص لموضوع تنمية الطاقات المتجددة، حيث أن التوجيهات الصادرة بمناسبة إنعقادها، كانت حاسمة في رسم معالم السياسة الطاقية الجديدة ،على المستويات التشريعية والمؤسساتية والتدبيرية.
من جهة أخرى ،يبدو أن هناك حرص خاص ،من طرف بلاغات الديوان الملكي ، على إختيار اللقاءات التي تستحق توصيف :”جلسة العمل “،مقارنة بما هو ليس كذلك .هكذا كانت الصحافة كانت قد تحدتث عن كثير من الجلسات التي لم يصدر بشأنها أي تصريح رسمي ،أو بلاغ صحفي ،مثل الجلسة المخصصة لمعالجة تداعيات إشكالية دفاتر التحملات،بحضور رئيس الحكومة و وزير الدولة ، ووزير الاتصال (أبريل 2012)،أو تلك التي همت الحوار الوطني حول العدالة ،بحضور وزير العدل ،أو الجلسة المنعقدة بطلب من رئيس الحكومة ،و المخصصة لأشكالية صندوق المقاصة،بحضور رئيس الحكومة و ووزير الدولة و الوزير المنتدب في الميزانية (نونبر 2012)،كما أن بلاغات الديوان الملكي لم تستعمل مفهوم جلسة العمل ،مثلا في إجتماعات أخرى تم إخبار الرأي العام بشأنها، مثل اللقاء الذي خصص لتدارس قضية الإجهاض ،بحضور مستشار ملكي ،و وزيري العدل و الأوقاف ،و مسؤول المجلس الوطني لحقوق الإنسان. (15مارس2015)
من كل جلسات العمل السابق ذكرها ، فإن الجلسة الثانية لوحدها كانت قد أثارت ردود فعل بعض القيادات السياسية والباحثين والصحافة. حيث تم الوقوف على الإشكالية التي تطرحها القرارات المُتخذة خلالها، وعلى مدى اعتبارها منسجمة مع الدستور المغربي(مقال عبد العالي حامي الدين “دفاعا عن الدستور “في يومية أخبار اليوم /31 غشت 2012).
هذا، وكان الأستاذ محمد الساسي اعتبر، مثلاً، أن التدابير المتخذة في جلسة العمل الملكية، تلك، والمتعلقة بالأمر الملكي بفتح تحقيق في سلوكات صادرة عن عناصر أمن، هي عبارة عن مهام «يفهم من الدستور الجديد أنه أوكل لها أمر النهوض بها إلى الحكومة، وحصر صلاحيات الملك في ما تم التنصيص عليه صراحة في الدستور»…
عُموماً تطرح هذه الجلسات سؤال موقع الملك بالنسبة إلى السلطة التنفيذية، وأساسا إشكالية تَمفْصُل العلاقة المُلتبسة بين الاختصاصات الملكية المتعلقة بالإشراف الاستراتيجي والصلاحيات الحكومية في مجال السياسات العمومية.
فكما يُمكن أن تُقرأ كمؤشر لعودة الملكية التنفيذية حيث يمكن للملك الحلول محل الحكومة في ممارسة بعض من صلاحياتها العادية ، يُمكنها أن تُعتبر إحدى آليات تجسيد ملكية «استراتيجية»، مُهتمة بوظيفة تتبع ما يقع خارج دورة الولايات الحكومية.
وهنا فإن أهمية وحيوية الوظيفة الاستراتيجية للمؤسسة الملكية المنطلقة من مشروعيتها التاريخية والسياسية، ترتبط عمليا بالحرص على ممارسة الحكومة لصلاحياتها الدستورية المنطلقة من الشرعية الانتخابية، ومن فكرة ربط المسؤولية بالمحاسبة،ذلك أن ملء الحكومة لكامل مساحتها الدستورية، وحده سيسمح ببروز أوضح لوظيفة اليقظة الاستراتيجية للمؤسسة الملكية.
تبقى الإشارة إلى أن توقيت إنعقاد جلسة العمل الأخيرة ،المتزامن مع الحملة الانتخابية لاعضاء مجلس النواب ، يحمل إشارة واضحة إلى تموقع الصلاحيات الاستراتيجية للملك ،خارج الزمن الانتخابي ،وبعيدا عن دائرة التنافس ومنطق الأغلبية والمعارضة .
التعليقات مغلقة.