فجأة ودون سابق إنذار، تحولت خطبة بنكيران أمام شبيبة حزبه إلى أكبر أزمة سياسية تضرب الحكومة والأغلبية والأحزاب السياسية، والتوافق الجميل والانسجام الرائع الذي كان يرفل فيه الجميع قبل الكلمة البنكيرانية، التي دامت 56 دقيقة فقط، وإذا بها تصبح قنبلة تنفجر في مغرب ماطر.. كلمة طردت النوم من عيني عزيز أخنوش، كبير الحمائم، ودفعته إلى الرد من باريس على من كان يسميه le facilitateur، أما إدريس لشكر، كبير الاتحاديين، فغضبته المضرية دفعته إلى مراسلة رئيس الحكومة، سعد الدين العثماني، لطلب لقاء عاجل، وربما تشكيل خلية أزمة للرد على بنكيران الذي تقاعد ولم يتقاعد، وخرج من الحكومة ولم يخرج من السياسة. ولأن لشكر سياسي لا يدوس له أحد على طرف، ولم يدخل إلى الحكومة تحت جناح صاحب شركة «أكوا»، ولم يظفر برئاسة مجلس النواب بتوصية خاصة، فإنه عازم على وضع «البيضة في الطاس»، وتقريع الطبيب العثماني، لأنه جلس ساكتا في مؤتمر الشبيبة وهو يسمع بنكيران ينال من الرفيق لشكر، ويصفه بالبلطجي، ويشبهه بمصارعي «السومو»، فلماذا لم يحتج العثماني على بنكيران؟ ولماذا لم يقطع عليه صوت الميكروفون، ويتركه بلا صوت؟ لماذا لم يصدر بيانا من الأمانة العامة يقول فيه: ‘‘إن بنكيران لا يمثل العدالة والتنمية، وإن ما قاله عن لشكر مجرد رأي خاص، فهو رجل متقاعد، والمصباح لا يتحمل مسؤولية نيران مدفعية زوج نبيلة، والاتحاد حزب بريء من الإسهام في البلوكاج الذي دام نصف عام، وعطل خروج الحكومة الأولى، أما رئاسة مجلس النواب فقد أعطيت للوردة اعترافا بالدور التاريخي الذي لعبته في الماضي، ولا علاقة للأمر بالمقاعد العشرين التي حصل عليها الحزب الذي تنكر له الشعب ولم يتنكر له المخزن، لذلك، تبرع البام والأحرار والحركة والدستوري بأصواتهم للمالكي لوجه الله، حتى قبل أن يعرفوا هل هو جزء من الأغلبية أم من المعارضة. البلوكاج لم يقع، ورئاسة مجلس النواب لم تسرق من أحد، والأغلبية لم تشكل من الأعلى، والأحرار لم يلعبوا دور العقدة في المنشار، وحكومة أبريل لم تشكل في غرفة في اجتماع لم تُدع إليه نتائج الاقتراع، وفريق العثماني منسجم، وهو على قلب رجل واحد، والحكومة ليست ضعيفة، وليست بلا حيلة أمام موجة الاحتجاجات في المغرب العميق. كل شيء على ما يرام، ولا ينقص المغرب غير أن يدخل بنكيران إلى بيت نبيلة ولا يخرج إلا إلى الجنائز أو إلى المسجد، دون أن يفتح فمه إلا عند طبيب الأسنان، فالموتى لا يبعثون إلا يوم القيامة، وبنكيران قتلناه مرة على درج باب الحكومة، ومرة على مدخل مؤتمر الحزب، ولم يبق له إلا أن يسلم بالأمر الواقع، ويتفرغ لقراءة كتاب بلال التاليدي عن الزلزال السياسي الذي أطاح به من رئاسة الحكومة، وأن يحكي النكت لزواره لقتل الوقت. أما السياسة، فإنها أصبحت محرمة عليه لأن زمنه انتهى… حتى وإن فاز بثلاثة انتخابات متتالية، وحتى وإن كانت شعبيته في الحزب وخارجه مازالت حية.. على السيد بنكيران أن يستوعب طبيعة المرحلة، وأن يفهم أن الاتحاد اليوم شريك مع العدالة والتنمية في المسيرة الإصلاحية، وأن السيد عزيز أخنوش حليف موثوق به، لا يضع رجلا مع الحكومة ورجلا خارجها، ولا يهيئ من الآن لانتخابات 2021، ولم يسبق له أن خلط السلطة بالبزنس، وأن أعماله وشركاته ومصالحه لم يسبق أن دخلت إلى وزارة الفلاحة، ولا إلى صندوق المقاصة، ولا إلى وزارة المالية، وأن بنكيران «يهذي»، ورغم أنه أمضى خمس سنوات في رئاسة الحكومة، ومرت بين يديه ملفات وأسرار وخبايا، فإنه فقد الذاكرة بمجرد خروجه من مكتبه بالمشور السعيد’’. العثماني يطمئنكم أيها الحلفاء الخمسة في الحكومة.. إنه ملتزم معكم بميثاق الأغلبية، ولسانه ولسان سليمان العمراني ولحسن الداودي ومصطفى الرميد وبسيمة الحقاوي لن تقترب منكم إلا بالخير والإحسان، لكن عليكم أن تتحملوا بنكيران لأنه «مجذوب» وعلى باب الله، وما في قلبه على لسانه، ولا يمكن أن يلجمه أحد، ألم تروا أنني -لسان حال العثماني- صعدت إلى الأمانة العامة بـ1% أمام صديق بنكيران إدريس الأزمي، الذي لم يكن يعرفه أحد قبل 2011؟ ألم تروا أنني أبعدت أمكراز الذي كان متحمسا للولاية الثالثة لبنكيران من صدارة المترشحين لقيادة الشبيبة، فما كان من «الشباب المداويخ» إلا أن صوتوا عليه بنسبة 82% ضد إرادتي وإرادة الأمانة العامة؟ ألم تتابعوا أشغال المؤتمر الوطني الأخير، وكيف رفض قرارات لأمانتي العامة التي صنعتها بيدي وعلى مقاسي وتحت سقفي، لكنها أصبحت غرفة بلا تأثير؟ ألم تروا كيف واجه برلمانيو المصباح وزيرهم في حقوق الإنسان، وأسقطوا في لجنة العدل والتشريع مشروع الحكومة؟ ألا ترون أنني عاجز عن الدفاع عن وقف مجانية التعليم العمومي، لذلك، لم يبرمج القانون الإطار حول التعليم في المجلس الوزاري رأفة بي وبحكومتي؟ ألم تروا أنني إلى الآن لم أضع رجلي في جرادة ولا في الحسيمة ولا في زاكورة، وحتى رئيس المجلس البلدي لمكناس، أخونا عبد الله بوانو، لم أفلح في حمايته من الجموع الغاضبة من إغلاق شركة خاصة، فتعرض للبهدلة وهو يخرج من اجتماع الدورة، ولم يجد بوليسيا واحدا يحميه؟ أيها الحلفاء، قولوا «الله يكون في العوان»، ومرّروا خطبة بنكيران بكأس الماء، فما سيقوله التاريخ عن هذه الحكومة أفظع مما يقوله بنكيران اليوم. توفيق بوعشرين
التعليقات مغلقة.