أش واقع تيفي / مجرد رأي
احتفلت نساء العالم باليوم العالمي لهن، الذي يصادف الثامن من مارس من كل سنة، وذلك في كل دول المعمور. وتختلف مظاهر الاحتفال من مجتمع لآخر، إلا أن التجلي الشائع هو تنظيم مسيرات داعمة للنساء والمطالبة بالمزيد من الحقوق والإنصاف في صفوف النساء المضطهدات.
في واحدة من هذه المظاهرات، التي عرفتها ألمانيا، والتي تعتبر دولة رائدة في مجال حقوق الإنسان بصفة عامة، وحقوق النساء على وجه التحديد، كانت الألمانيات تسرن في مسيرة داعمة للمرأة ومخلدة لهذا اليوم العالمي المرجعي، حتى تفاجأت هذه النسوة بعصي وهراوات الشرطة الألمانية تنهال على رؤوسهن، واللكمات تصيب وجوههن. بل حتى بعض الرجال المشاركين في هذه المسيرة، كتجسيد لشكل من أشكال التضامن والدعم، لم يسلموا من العنف الموجه للمشاركين في هذه المسيرة. حيث لم تفرق قوات الأمن – أو قوات القمع إن صح التعبير – بين الألمان وغير الألمان في هذا الفعل الهمجي العنصري، الذي كان سببه دعم هذه المسيرة للقضية الفلسطينية من خلال إعلان التضامن مع النساء الفلسطينيات ورفع علم دولة فلسطين.
إن عملًا شنيعًا كهذا، في دولة أوروبية رائدة في مجال الدفاع عن حقوق الإنسان، يعيد إلى الطاولة إشكالية ما أحب تسميته بـ«حقوق الإنسان العنصرية»، أي أن حقوق الإنسان لم تعد حقًا كونيًا شاملًا يتمتع به كل إنسان بدافع طبيعته البشرية، بغض النظر عن جنسه أو عرقه أو دينه أو لغته أو ثقافته، أو أي محدد آخر غير المحدد الإنساني.
حيث يدفعنا هذا للتساؤل عن سبب هذا رد الفعل القمعي الهمجي، الذي ينم عن عنصرية متأصلة. كما يقارن بين هذه المسيرة السلمية، التي شارك فيها عدة أطياف من المجتمع الألماني، مع مسيرات أخرى تدافع عن الشذوذ الجنسي أو العنصرية الدينية، خصوصًا في وجه المسلمين، والتي تدعو إلى طردهم وترحيلهم لبلدانهم الأصلية. ورغم أن مثل هذه الأفعال قد تثير الفتنة، وتنشر الحقد والكراهية، وتولد ردود أفعال تخريبية داخل المجتمع، إلا أن قوات الأمن والسلطات لم يسبق لها أن واجهتها بالعنف أو القمع، مما يبين نهج سياسة الكيل بمكيالين في التعامل مع الحريات.
كما أن الحرب الأوكرانية الروسية، التي تسببت في تدفق عدد مهم من اللاجئين الأوكرانيين لبلدان أوروبا، الهاربين من ويلات الحرب، أظهرت انتقائية في تبني القضايا الإنسانية. حيث لاحظ الجميع سلاسة مرور وحسن استقبال اللاجئين الأوكرانيين، وظروف العيش الكريمة التي تم توفيرها لهم في البلدان المستقبلة، مقابل الطريقة الهمجية والوحشية التي كان يتم بها تعامل نفس هذه الدول مع اللاجئين السوريين، الفارين من جحيم بشار الأسد وبراميله المتفجرة، وقصف القوات الروسية نفسها التي كانت تقصف الأوكرانيين. فكيف لهذه الدول الأوروبية أن تستقبل ضحايا قصف روسيا في أوكرانيا، ولا تستقبل نفس الضحايا القادمين من سوريا؟
لدرجة أن المجتمع الدولي كله يبيح لأوكرانيا حق الدفاع عن نفسها في مواجهة “المحتل المهاجم الروسي”، كما يصفونه، وهو نفس الحق الذي يصادرونه عندما يتعلق الأمر بمقاومة الشعب الفلسطيني لقوات الاحتلال، بل وينعتون حركات المقاومة بالحركات الإرهابية!
للأسف، فقد زاغت حقوق الإنسان والحريات العامة عن هدفها السامي، الذي تم التأسيس عليه، وعن مبادئها الشمولية والمجردة، التي تمنح هذه الحقوق للإنسان بغض النظر عن خلفياته ومرجعياته. كما أن المنظمات الحقوقية الدولية لم يعد لها أي قوة ملزمة أو سلطة على الدول التي تخرق المواثيق الدولية الإنسانية، بل أصبحت هذه المنظمات فاقدة لاستقلاليتها بفعل خضوعها للمساهمات المالية وانخراطات هذه الدول.
بقلم\\\\: ياسين المصلوحي
تعليقات
0