أش واقع تيفي / مولاي عبد الله أمغار -الجديدة
في تناقض صارخ يثير الاستياء تتخبط جماعة مولاي عبد الله أمغار في ركود تنموي ملموس رغم أنها تعد من أغنى الجماعات بإقليم الجديدة، تضم هذه المنطقة الواعدة أكبر منتجع سياحي “سيدي بوزيد” وأكبر تجمع صناعي “الحي الصناعي” إضافة إلى أكبر ميناء معدني “الجرف الأصفرOCP” وتستفيد من مداخيل مالية مهمة من الموسم السراثي السنوي لمولاي عبد الله أمغار لكن الواقع على الأرض يكشف عن جماعة تبدو وكأنها من أفقر المناطق حيث تفتقر لأبسط مقومات الحياة الكريمة من مرافق رياضية واجتماعية وترفيهية وثقافية.
الفاطمي ومتاهة المناصب بلا أثر تنموي:
رغم أن رئيس الجماعة مولاي المهدي الفاطمي يتقلد مناصب رفيعة كنائب برلماني عن حزب الاتحاد الاشتراكي للقوات الشعبية وعضو في لجنة البنيات الأساسية والطاقة والمعادن والبيئة والتنمية المستدامة بمجلس النواب إلا أن هذه المناصب المتعددة لم تنعكس إيجابا على واقع الساكنة التي تئن تحت وطأة غياب أبسط شروط العيش الكريم.
كان من المفترض أن يكون صوت المنطقة قويا ومؤثرا تحت قبة البرلمان يدفع نحو إدراج مشاريع حيوية ضمن الأجندة الوطنية خصوصا وأنه عضو في لجنة معنية بالبنيات الأساسية والتنمية المستدامة لكن الواقع الميداني يكشف عن حقيقة مرة فالملاعب القرب التي طال انتظارها لم تر النور بعد والمستشفى الذي يحلم به السكان لا يزال حلما بعيدا والمدارس تعاني الاكتظاظ والنقص في التجهيزات الأساسية أما الواد الحار وربط الكهرباء بالعديد من الدواوير فهي مطالب أساسية لم تتحقق بعد تاركة السكان في معاناة مستمرة مع غياب البنية التحتية الضرورية.
إهمال البنية التحتية وتهميش المآثر العمرانية:
المأساة لا تتوقف عند هذا الحد فالمساحات الخضراء منعدمة بشكل كلي والمآثر العمرانية ذات القيمة التاريخية تتعرض للتهميش والإهمال، تواجه الجماعة نفسها إكراهات ترتبط أساسا بوجود أسوار قديمة وصومعتين تفرض عليها صيانتهما باستمرار حيث تتعرض هذه الأسوار والأبراج لعوامل التعرية والهدم والغريب أن وزارة الثقافة والتواصل المفروض فيها السهر على هذه المعالم لأنها تدخل في صلب اهتماماتها لا تتحرك بالشكل المطلوب.
أكثر من ذلك ظل مركز مولاي عبد الله محروما من تصميم التهيئة لسنوات طويلة لأن وزارة الثقافة والتواصل كانت تواجه المجالس الجماعية بالرفض وتفرض عليهم شروطا قاسية باعتبار المركز ذاته له خصوصيات عمرانية وتراثية مما يعيق أي محاولة للتطوير الحضري.
دور غائب في الشؤون الاجتماعية:
وبصفته رئيسا للجمعية الإقليمية للشؤون الاجتماعية بعمالة الجديدة كان من المنتظر أن يقدم الفاطمي مبادرات واضحة وملموسة لتحسين الأوضاع الاجتماعية للفئات الهشة في المنطقة، لكن الأثر الفعلي لدوره في هذا المنصب يبقى محل تساؤل كبير حيث لم يلمس السكان أي تغيير جوهري في الخدمات الاجتماعية المقدمة.
وعود تتلاشى وتنمية غائبة:
إن الدور الأبرز وهو رئاسة جماعة مولاي عبد الله أمغار لا يزال دون المستوى المطلوب فالوعود التنموية التي طالما رفعها تبدو وكأنها مجرد شعارات انتخابية تتلاشى مع كل فجر جديد، لا يوجد أثر لملاعب القرب الحديثة التي يمكن أن تستوعب طاقات الشباب ولا مستشفيات توفر الرعاية الصحية الكافية ولا مدارس تستجيب للمعايير الحديثة، بل الأزمة تتفاقم مع استمرار غياب شبكات الواد الحار الفعالة ووصل الكهرباء لجميع التجمعات السكنية وهو ما يعتبر أبجديات التنمية في القرن الواحد والعشرين.
لا يقتصر غياب المساحات الخضراء في جماعة مولاي عبد الله أمغار على كونه مجرد إهمال جمالي بل هو جريمة بيئية تُضاعف كارثة التلوث الصناعي القادم من مركب الجرف الأصفر الشاسع. ففي منطقة تُعدّ مصدرا رئيسيا للملوثات الهوائية والبيئية كان يجب أن تكون هذه المساحات رئة حقيقية تتنفس منها الساكنة المهددة صحتها. إن هذا النقص الصارخ لا يُظهر فقط قصوراً في التخطيط بل تجاهلاً متعمداً لحياة المواطنين الذين يواجهون سموم المصانع دون أي حماية بيئية تُذكر مما يُلقي بمسؤولية أخلاقية وقانونية جسيمة على عاتق كل من يتولى زمام تدبير هذه الجماعة المظلومة.
ووسط هذا الواقع القاتم، لا يجد شباب الجماعة بديلاً سوى الارتماء في أحضان المخدرات أو الهروب نحو قوارب الموت بعدما أُغلقت في وجوههم كل أبواب الأمل فمن المخجل أن تعيش جماعة مولاي عبد الله أمغار على أطراف أكبر مركب صناعي في إفريقيا وتظل نسبة البطالة فيها مرعبة وفرص الشغل شبه منعدمة، أي منطق هذا الذي يجعل ثروات المنطقة تُنقل إلى خارجها بينما أبناؤها يتسولون الحد الأدنى من شروط العيش الكريم؟ إنها خيانة موصوفة في حق ساكنة صابرة صامتة، تُركت فريسة للتهميش والضياع في وقت تُستهلك فيه ميزانيات ضخمة بلا أثر حقيقي على الأرض.
صرخة الساكنة:
الساكنة الأمغارية تعبر عن خيبة أملها الكبيرة وتطرح تساؤلات قاسية حول جدوى التمثيلية البرلمانية والرئاسة الجماعية في ظل استمرار الوضع على حاله، يقول “أبو أيمن” وهو أحد سكان المنطقة بنبرة مريرة ” صوتنا عليه أملا في التغيير لكننا لم نر سوى الوعود الفارغة”.
وتضيف “أمينة الساحلية” وهي ربة منزل “نحن نعيش وكأننا في زمن آخر لا طرق معبدة ولا مساحات خضراء نخرجو نشمو فيها الهواء”.
فيما يتساءل فاعل جمعوي من المنطقة “كيف لمن يشغل كل هذه المناصب أن يتجاهل احتياجات منطقته الأم الأساسية هل هذه المناصب مجرد واجهة لتعزيز النفوذ الشخصي دون أي التزام حقيقي بخدمة الصالح العام؟”.
أحد الفلاحين من المنطقة يعلق بغضب “الفاطمي لم يغير شيئا في المنطقة بل زادت معاناتنا كثر من لي كانت”.
إن هذا الإخفاق التنموي الملموس في جماعة مولاي عبد الله أمغار يضع علامات استفهام كبرى حول أداء مولاي المهدي الفاطمي في كل المناصب التي يشغلها ويستدعي وقفة جادة للمحاسبة ومراجعة السياسات المتبعة لضمان تحقيق تنمية حقيقية يستحقها سكان هذه المنطقة التي ما فتئت تنتظر بارقة أمل.
إن مولاي عبد الله أمغار ليس مجرد موقع تاريخي، بل هو جزء حيوي من الهوية الثقافية والتاريخية للمنطقة يتطلب الحفاظ على هذا التراث التعاون والجهود المشتركة من كل الأطراف المعنية لضمان بقاء هذا الشاهد الحي على تاريخ مولاي عبد الله أمغار وإرثه الثقافي الثمين.