أش واقع تيفي / هشام شوراق
في مشهد مؤلم يختزل واقعا مريرا ومفجعا للقطاع الصحي الخاص في المغرب، وجدت أم نفسها في الشارع رفقة طفلها الذي تعرض لحادث مؤلم تسبب في كسر على مستوى رجله، لم تجد الأم المكلومة أمامها سوى مصحة خاصة بمدينة الجديدة وهي مصحة معروفة أملا في إنقاذ فلذة كبدها وتخفيف ألمه.
لكن الصدمة كانت أقوى من الألم الجسدي للطفل، فبحسب التصريح الصريح والمفجع لوالد الطفل رفضت المصحة إجراء العملية الجراحية اللازمة لإنقاذ طفلهما، ما لم تُدفع المصاريف كاملة والمحددة سلفا في 4000 درهم وبين وجع كسر عظم الطفل ووجع الانتظار القاتل ظل الصغير يتألم لساعات طويلة، في مشهد لا يمكن أن تقبله الإنسانية إلى أن وصل الأب من عمله المنهك ونجح في تأمين المبلغ المطلوب ليتمكن الطفل من الحصول على العلاج.
ورغم إجراء العملية الجراحية في النهاية إلا أن الكابوس لم ينتهِ هنا، فبحسب رواية الأسرة المصدومة رفضت المصحة إبقاء الطفل بعد العملية مباشرة بدعوى “عدم توفر غرفة فارغة” وطُلب منهم أخذه مباشرة إلى المنزل دون أي رعاية ما بعد العملية، هذا التصرف يثير علامات استفهام كبرى ويفضح “الاستغلال” الذي تتعرض له الأسر في أضعف لحظاتها.
يتساءل الأب بحرقة وغضب: “فين هي إنسانية هاد المصحات؟ واش قبل ما تديرو العملية ما عرفوش أنه ما كايناش الغرف؟ ولا غير الفلوس اللي كتهمهم؟” ويضيف الأب بتأثر بالغ: “المصحة معروفة بمدينة الجديدة بأنها وتتاجر في البشر واش ما عندهاش برنامج؟ كيف يعقل أن تجروا عملية لطفل ثم تقولون لا توجد غرف؟ كان عليكم أن تخبرونا قبل العملية لنذهب إلى مصحة أخرى! أنتم لا يهمكم المواطن تهمكم الفلوس فقط! واش مكاينش مراقبة لمثل هذه المصحات الخاصة؟ هل نحن في دولة الحق والقانون ولا في غابة؟”
واقع القطاع الصحي الخاص: استغلال أم إنسانية؟
هذه الحالة الإنسانية الخطيرة تفتح الباب مجددا أمام تساؤلات كبرى حول واقع القطاع الصحي الخاص في المغرب، والمراقبة المفترضة من طرف الجهات المختصة وعلى رأسها وزارة الصحة، فهل أصبح المواطن رهينة المال حتى في حالات الطوارئ التي تهدد حياته؟ وأين دور وزارة الصحة من مثل هذه التجاوزات الصارخة التي تمس جوهر الحق الدستوري في العلاج وتضرب عرض الحائط كل القيم الإنسانية والأخلاق المهنية؟
إن صمت الجهات المعنية عن مثل هذه الممارسات لا يمكن تبريره، فالأمر لا يتعلق بحالة فردية بل بظاهرة تكاد تكون ممنهجة في بعض المصحات، حيث يتحول الألم الإنساني إلى فرصة للربح غير المشروع دون أدنى اعتبار للأخلاق أو القانون، يجب أن تفتح وزارة الصحة تحقيقا فوريا وشفافا في هذه الواقعة ومحاسبة كل المتورطين لضمان عدم تكرار مثل هذه المآسي ولإعادة الثقة في مؤسساتنا الصحية.