أسامة بوكرين
باحث في مجال الإعلام
الحملة الانتخابية هي سلسلة من الجهود والأنشطة التي تهدف إلى الترويج لمرشح معين أو لفكرة معينة خلال الفترة التي تسبق الانتخابات، سواء كانت انتخابات سياسية لمنصب حكومي أو انتخابات لتعيين شخص في منصب في مؤسسة أخرى، وتشمل الحملة الانتخابية مجموعة من الأنشطة والإستراتيجيات التي تستخدم للتأثير على الناخبين وكسب دعمهم. تشمل هذه الأنشطة التسويق السياسي، والحملات الإعلانية، والاجتماعات والتجمعات العامة، والتواصل المباشر مع الناخبين، والحملات الدعائية الخاصة بالإنترنت، وجهود التطوع والتنظيم الشعبي.
وتمثل الحملة الانتخابية عملية دقيقة ومنظمة تستهدف التأثير على الناخبين وكسب دعمهم لمرشح معين أو لفكرة معينة قبيل الانتخابات. تتضمن هذه الحملة مجموعة من الأنشطة المتنوعة والمتكاملة التي تهدف إلى نشر رؤية المرشح، وتسليط الضوء على برنامجه الانتخابي، وتوجيه الانتباه إلى القضايا السياسية الهامة التي يسعى لتحقيقها. يتطلب إطلاق حملة انتخابية ناجحة تخطيطاً دقيقاً وتنظيماً جيداً، والاستعانة بفريق عمل مؤهل يقوم بتنفيذ الخطط الموضوعة بشكل فعال.
وتتنوع استراتيجيات الحملة الانتخابية بحسب السياق السياسي والاجتماعي، ويعتمد نجاح الحملة على اختيار استراتيجيات فعّالة وملائمة. تشمل هذه الاستراتيجيات استخدام وسائل الإعلام المختلفة مثل التلفزيون والإذاعة والصحف لنشر رسالة الحملة، وتنظيم اللقاءات العامة والمناسبات السياسية لتواصل المرشح مباشرة مع الناخبين، واستخدام وسائل التواصل الاجتماعي للتفاعل مع الناخبين ونشر المحتوى الانتخابي، بالإضافة إلى جهود التطوع والتنظيم الشعبي لجذب دعم أوسع من الجمهور.
ويمكن الحديث عن الحملات الانتخابية من حيث المفهوم على أنها “شكل من أشكال الحملات الإعلامية السياسية ووسيلة المرشحين والأحزاب السياسية للوصول إلى الناخب لعرض الأفكار والبرامج الانتخابية وترتيب الأولويات للدائرة الانتخابية، وذلك في مسعى منهم لكسب التأييد والحصول على أعلى الأصوات بين المنافسين وفق لقانون ولنظام الانتخابي للبلد الذي يشهد عملية الانتخابات”.
وفي تعريف أخر يمكن اعتبار الحملات الانتخابية على أنها كل الجهود والمساعي التي يقوم بها المرشحون للترويج لبرامجهم السياسية والانتخابية بهدف ترسيخ الثقة العامة واستقطاب أكبر عدد من الناخبين خلال فترة زمنية محددة للتصويت.
وتقوم الحملات الانتخابية أساسا على ممارسة التسويق السياسي أو الإقناع السياسي أو الدعاية السياسية واليت يقصد بها “المحاولة الإعلامية للتأثير في اتجاهات الناس وأرائهم وسلوكهم في محاولة منظّمة للتأثير على الٍاي العامـ ويلعب التسويق السياسي دورا هاما في الحملات الانتخابية من خلال
صناعة الصورة الذهنية للمرشح المتعلقة بطريقة الحديث والشكل والمظهر الخارجي والكاريزما الشخصية والمهارات الخطابية والقدرة على التعامل مع وسائل الاتصال والحديث معها.
أشكال الحملات الانتخابية
دعاية الاستقطاب والانتشار –Polarization and Dissemination Propaganda
هي مصطلح يستخدم في العلوم الاجتماعية والسياسية لوصف استراتيجيات دعائية تهدف إلى زيادة الانقسامات والانقسامات في المجتمع وتعميق الفجوات بين الفئات السكانية المختلفة. يهدف هذا النوع من الدعاية إلى تحفيز التمييز والتباعد بين مجموعات معينة من الأفراد، سواءً بناءً على الانتماء السياسي أو الديني أو الثقافي أو العرقي.
وتستخدم دعاية الاستقطاب والانتشار عادةً لتعزيز المواقف المتطرفة وتشجيع الانقسامات الاجتماعية، ويمكن أن تتضمن هذه الاستراتيجية استخدام الخطاب العدائي أو المعادي لفئة معينة، وترويج الشائعات والأكاذيب التي تزيد من التوترات بين الفئات المختلفة. تعتمد هذه الأساليب على استغلال الانقسامات القائمة في المجتمع وتكريسها من خلال وسائل الإعلام ووسائل التواصل الاجتماعي وغيرها من القنوات الدعائية.
وهدف هذا النوع من الدعاية هو التعريف بآراء المرشح أو الحزب المتقدم إلى الانتخابات وذلك بدفع الأشخاص غير المهتمين والمترددين الى تبني قضية هذا المرشح أو الحزب بهدف إيصالهم الى البرلمان، وتقوم هذه الدعاية على أسس علمية دقيقة ومضبوطة، إذ يتطلب الأمر التعرف على اللغة المستعملة من طرف الجمهور المستهدف واهتماماته وتخوفاته وتطلعاته، كما يتطلب تجديد الصورة التي كونها الجمهور عن مختلف المرشحين.
ويمكن هنا الاستدلال على هذا النوع من الدعايات الانتخابية بمثال حزب “فوكس Vox ” الإسباني الذي تمكن من الوصول سنة 2019 الى مجلس النواب والحكومة الاسبانية لأول مرة في تاريخه متبنيا دعاية الاستقطاب والانتشار عبر استعمال استراتيجية اختيار القضايا الجدلية داخل المجتمع الإسباني مثل الموقف من المهاجرين وإثارة قضايا الحريات المتعلقة بالتمييز الجندري وإقرار قانون رافض للإجهاض حيث تمثل هذه القضايا أكبر الجدليات في المجتمع الاسباني.
الدعاية الاحتجاجية Protest propaganda
من منظور أكاديمي، هي شكل من أشكال الاتصال السياسي يستخدم لتعبئة الرأي العام ضد السياسات، أو الإجراءات، أو الممارسات القائمة عبر وسائل الإعلام المتنوعة والأنشطة الاتصالية. تهدف هذه الدعاية إلى إثارة الوعي والاحتجاج ضد قضايا معينة، غالباً بهدف تحفيز التغيير السياسي أو الاجتماعي. يتم ذلك من خلال توجيه رسائل نقدية وموجهة نحو فئة معينة من الجمهور، مستهدفةً تغيير مواقفهم وسلوكهم تجاه مسألة معينة أو إحداث تأثير على العمليات السياسية والاجتماعية.
وتعمل الدعاية الاحتجاجية إلى تسليط الضوء على القضايا المثيرة للجدل أو التي يشعر الدعاة أنها مهملة أو تحتاج إلى تغيير. كما تسعى إلى ممارسة الضغط على السلطات أو الأطراف المعنية لإحداث تغيير في السياسات أو الممارسات. تستخدم هذه الدعاية وسائل الإعلام المختلفة مثل التلفاز، الراديو، الإنترنت، ووسائل التواصل الاجتماعي، إلى جانب تنظيم الحملات الشعبية والتجمعات والمسيرات، ونشر المقالات والتقارير والدراسات التي تدعم موقفهم. بالإضافة إلى ذلك، يتم استخدام الفن والإبداع، مثل الرسوم الكاريكاتورية، الأغاني، والأفلام القصيرة، لنقل الرسالة بطرق مؤثرة.
تتبع الدعاية الاحتجاجية استراتيجيات توجيه رسائل واضحة ومباشرة للجمهور المستهدف، باستخدام لغة وأسلوب يناسبان القضايا المطروحة والجمهور المستهدف. كما يتم التنسيق مع منظمات وجماعات ذات أهداف مشابهة لتعزيز التأثير. الأدوات المستخدمة في الدعاية الاحتجاجية تشمل الإعلام التقليدي والرقمي، والنشرات والكتيبات، والمنصات الاجتماعية على الإنترنت، بالإضافة إلى الفعاليات العامة مثل المؤتمرات الصحفية والتجمعات الاحتجاجية.
تشمل الأمثلة على الدعاية الاحتجاجية حملات ضد السياسات البيئية التي تؤدي إلى التلوث، احتجاجات ضد سياسات التقشف الاقتصادي، وحملات حقوق الإنسان التي تسلط الضوء على الانتهاكات وتطالب بالإصلاح. باختصار، الدعاية الاحتجاجية هي وسيلة استراتيجية للتواصل تستخدم للتعبير عن الاعتراض وتهدف إلى إحداث تغيير من خلال جذب انتباه الجمهور والتأثير على الرأي العام والسياسات القائمة.
وكمثال عل هذا النوع من الدعاية يمكن استحضارنموذج حزب الخضر في أوروبا وهو الذي استخدم هذا الأسلوب ونجح في حصد المئات من المقاعد في الانتخابات النيابية التي جرت في أوروبا سنة 2019، وهذا النوع من الدعاية الانتخابية أصبح حزب الخضر الفرنسي ثالث قوة سياسية في البلد وفي ألمانيا تمكن الخضر أيضا من الحصول على المرتبة الثانية في حصد أصوات الناخبين.
الدعاية الإدماجية – Integrative propaganda
من منظور أكاديمي، هي شكل من أشكال الاتصال الاستراتيجي الذي يهدف إلى تعزيز الاندماج الاجتماعي والسياسي والثقافي داخل المجتمع. تسعى هذه الدعاية إلى تعزيز قيم الشمولية والتنوع، وتشجيع قبول الفروقات بين الأفراد والجماعات، ودمج الفئات المهمشة أو المعزولة في التيار الرئيسي للمجتمع.
تهدف الدعاية الإدماجية إلى تعزيز التفاهم والتعاون بين مختلف الفئات الاجتماعية، وتشجيع سياسات وممارسات شاملة تضمن العدالة والمساواة. كما تسعى إلى مكافحة التمييز والعنصرية والتمييز على أساس الجنس أو الدين أو أي عوامل أخرى، وتعزيز الهوية الوطنية المشتركة مع احترام التنوع الثقافي والاجتماعي.
تستخدم هذه الدعاية وسائل الإعلام المختلفة لنشر رسائل شاملة وإيجابية، وتنظيم حملات توعية وبرامج تعليمية لتعزيز قيم الشمولية والتنوع. كما تشمل الأساليب المستخدمة إشراك الفئات المهمشة في العمليات السياسية والاجتماعية، وتعزيز الحوار والتواصل بين مختلف الفئات المجتمعية.
تتبع الدعاية الإدماجية استراتيجيات توجيه رسائل واضحة وإيجابية تعزز قيم الشمولية والاندماج. يتم استخدام قصص النجاح والأمثلة الواقعية لتوضيح فوائد الإدماج الاجتماعي، والتعاون مع المنظمات غير الحكومية والمؤسسات التعليمية لتعزيز الأهداف المشتركة. تشمل الاستراتيجيات أيضًا تطوير سياسات ومبادرات حكومية تدعم الاندماج الاجتماعي.
تشمل الأدوات المستخدمة في الدعاية الإدماجية الإعلام التقليدي والرقمي لنشر الرسائل الشاملة، والفعاليات المجتمعية وورش العمل والمعارض التي تعزز التفاهم المتبادل. كما تشمل المناهج الدراسية والبرامج التعليمية التي تشجع على التعددية الثقافية، والشبكات الاجتماعية والمنصات الرقمية للتواصل والتفاعل مع الجمهور المستهدف.
وتقوم العملية الإدماجية في هذا النوع من الدعاية على تجميع أكبر عدد من الناخبين حول طرح المشرح أو الحزب حيال قضية معينة هي موضوع خلاف
وجدال في المجتمع، فتكون بذلك عملية الإجماع على مضمون الطرح المقدم من الحزب او المرشح وبذلك تصبح هذه القضية المطروحة هي الرابط المشترك بين الناخبين والطرح المعروض.
الأمثلة على الدعاية الإدماجية تتضمن حملات تهدف إلى دمج المهاجرين واللاجئين في المجتمع المحلي، وبرامج تعليمية تركز على تعزيز المساواة بين الجنسين، ومبادرات لتعزيز التفاهم بين الأديان والثقافات المختلفة، وحملات مكافحة التمييز ضد الأشخاص ذوي الإعاقة.