الأمن الصحي ما بعد كورونا

رئيس التحرير السبت 8 فبراير 2025 - 15:57

ياسين المصلوحي

إن مسألة اختلاف العالم ما بعد كورونا عن عالم ما قبلها حقيقة لا يمكن إنكارها ولا غض الطرف عنها على عدة مستويات سواء اقتصادية واجتماعية وديمغرافية. فلم يعرف العالم تحديا صحيا مثل جائحة كورونا رغم أنها لم تقتل إلا 6,8 مليون شخص في حين أن الانفلونزا الاسبانية قتلت جوالي 50 مليون شخص لكن 6 ملايين شخص في ظل هذا التقدم العلمي والطبي تعادل أكثر من 100 مليون في خمسينيات القرن الماضي.

وقد خلفت هذه الكارثة الصحية رغم تجاوزها الان -خلفت- أثارا سلبية عديدة في مجموعة من المجتمعات لا يمكن محوها لسنوات عديدة خصوصا على الجانب الاقتصادي الذي لم يستطع مسايرة فكرة الاقفال الكلي والحجر التام وجمود الأنشطة الاقتصادية ما أرخى بظلاله على باقي مناحي الحياة.

لكن العقبة التي لن يكون تجاوزها بالأمر السهل خصوصا بالنسبة لمجتمعات دول العالم الثالث هي الاثار الصحية على مستويين: الأول هو إعادة بناء المنظومة الصحية التي انهارت في بعض الدول ولم تستطع مواجهة الجائحة أما الثاني فهو إعادة الثقة في نفوس المواطنين التي تأثرت عندما عجزت بعض الدول على الحد من انتشار هذا الوباء وفتكه بأرقام قياسية من المواطنين وكذلك تزعزع الثقة بعد فرض القيام بالتلقيح.

المغرب بدوره لم يسلم من موجة تزعزع ثقة المواطن في المنظومة الصحية ومدى فاعلية وضرورة القيام بجرعات التلقيح رغم عدد التجارب السريرية الكبيرة التي أجريت عليها والخطة التواصلية للحكومة المغربية المطمئنة بهذا الخصوص ولم يبدد هذه الشكوك والمخاوف إلا صورة عاهل البلاد وهو يتلقى جرعات التلقيح كاملة في مشهد لا يمكن نسيانه.

أن تزعزع ثقة المواطن تجاه الإجراءات الطبية المتخذة يعود لعدة اسباب أهمها البروباغاندا التي انتشرت في مواقع التواصل الاجتماعي حول الاثار الجانبية للتلقيح و مدى تأثيره على الشيوخ و مرضى السكري و أنه يسبب الضعف الجنسي و الجلطات الدماغية و أن الجهات التي صنعت اللقاح و بالمناسبة هي نفس الجهات التي عملت على انتشار فيروس كورونا حسب من يصدق هذه الروايات هدفها تقليص عدد سكان العالم و نظرية المليار الذهبي ناسين او متناسين أن المليار شخص الذهبي هو محتاج لمليار نجار و مليار عامل نظافة و مليار محاسب و مليار مربية و مليار خباز …. أي لا يمكن للمليار الغني ان يستغني عن باقي المكونات الاجتماعية وخرافة زرع شريحة الكترونية للتحكم في البشر وغيرها من الاساطير وهو ما يعكس قلة الوعي العلمي حول كيفية عمل اللقاحات وخوف العامة من المجهول.

هذا التشكيك في نجاعة و فعالية التلقيح و الغرض منه، سبب في التشكيك في المنظومة الصحية ككل وقد ترجم ذلك في العدد القليل ممن أكملوا كل جرعات التلقيح بخصوص كورونا و هو نفس المنطق المتعامل به في مسالة التلقيح ضد مرض الحصبة (بوحمرون) الذي صنفته وزارة الصحة المغربية على انه وباء خطير ارتفعت سرعة انتشاره بسبب تراجع معدل التلقيح الراجع لانخفاض معدل الوعي الصحي و انتشار المعلومات المغلوطة بخصوص فاعلية اللقاح و مخاطره حيث  قامت الجهات الرسمية بتعميم عملية تلقيح في صفوف الأطفال بالمؤسسات التعليمية لحمايتهم و تجنيبهم الإصابة به نظرا لخطورته في هذه المرحلة وسرعة انتشاره لكن هذه المجهودات تصطدم مرة أخرى  بتعصب البعض و تأويل هذه المجهودات تأويلا خارج إطارها ما يشكل تهديدا للصحة العامة حيث أن من يرفض التلقيح لا يؤذي نفسه فقط و إنما يؤذي من حوله كذلك و المجتمع بصفة عامة لأنه يساهم في هشاشة البنية الصحية للشعب ويمكنه نقل العدوى لهم.

ومن مظاهر التشكيك في الإجراءات الطبية التي تتخذها المصالح الصحية هو محاولة ربط كل ما يتعرض له المواطن من امراض ومضاعفات صحية بالأثر الجانبية للتلقيح بصفة عامة وتلقيح كورونا على وجه التحديد حيث أن أي نزلة برد حادة أو نقص في المناعة او نقص في الخصوبة أصبحت فئة كثيرة من الناس تربطها بتبعات ومخلفات اللقاح.

إن تثبيت الوعي الصحي يحتاج لمنهجية مدروسة و خطوات عملية مهمة يتم من خلالها إعادة زرع الثقة في صفوف المواطنين تجاه مؤسساتهم الصحية التي يعمل فيها بالأساس أقاربهم و يسيرها أفراد اسرتهم و بالتالي لا يمكن لشخص أن يكون سببا في أذية أقاربه و من خلالهم أذية مجتمعه و لنشر ثقافة التلقيح بين العموم و إحياء الثقة لا بد من القيام بحملات توعية بأهمية ذلك و سلك قنوات تواصل فعالة و دائمة مع المواطنين بمقاربة تشاركية مع مختلف الفاعلين الحكوميين و الغير حكوميين من جمعيات و هيئات للمجتمع المدني و عدم ترك الفراغ لانتشار الاشاعات و المعلومات المغلوطة.

إن السياسة الصحية قد لا ترقى لمستوى تطلعات المواطنين في الحالات العادية، لكن خلال فترة الازمات أظهرت المنظومة الصحية عن روح وطنية عالية ومجهودات مضاعفة للتصدي لأي خطر يهدد الامن الصحي العمومي والحد من أثار الأوبئة والجائحات حيث تحتاج هذه المجهودات لتعبئة مجتمعية شاملة وخلق جو عام من التعاون والثقة المتبادلة والانخراط في الإجراءات المقترحة من أهل الاختصاص.

إن أهمية المنظومة الصحية لا تقل أهمية عن المنظومة الاقتصادية او العسكرية حيث يؤدي تدهورها أو انهيارها إلى التأثير على قوة واستمرارية الدولة لهذا تعتبر حمايتها والحفاظ عليها مسؤولية كل مكونات المجتمع من جهات رسمية وفعاليات مدنية وعموم المواطنين.

تابعوا آخر الأخبار من أش واقع على Google News تابعوا آخر الأخبار من أش واقع على WhatsApp تابعوا آخر الأخبار من أش واقع على Telegram

مقالات ذات صلة

الثلاثاء 11 مارس 2025 - 00:17

بوجدور : عمالة الإقليم تحتفي بالمرأة في يومها العالمي

السبت 8 مارس 2025 - 23:22

فضيحة كبرى في جماعة دار العسلوجي اقليم سيدي قاسم

السبت 8 مارس 2025 - 17:01

الله يرحمو.. مصرع عامل بناء بعد سقوطه من المنزل الذي يشتغل به

الجمعة 7 مارس 2025 - 22:02

Mazagan célèbre le succès du Women Leadership et vise de nouveaux horizons