أش واقع تيفي / هشام شوراق
تمليطت، المغرب: في قلب التضاريس الجبلية الوعرة، تتجسد أسمى معاني التضامن والمواطنة الحقة، حيث سطر سكان “مدشر تمليطت” والمحسنين من قرى ومداشر مغربية مختلفة، ملحمة حقيقية لشق طريق الحياة، هذه المبادرة التي ولدت من رحم الحاجة والإصرار لم تكن مجرد عمل إنشائي، بل هي درس بليغ في التعاون الشعبي الذي يتقدم بخطوات ثابتة حيث تعجز أو تتباطأ المجهودات الرسمية.
البادرة التلقائية تؤكد أن روح التضحية لا تزال نبضاً حياً في المجتمع المغربي فقد تضافرت جهود جماعة من المواطنين الأوفياء، الذين قرروا طواعية التعاون مع سكان المدشر لإنجاز طريق حيوي ينهي عزلة تمليطت ويحسن ظروف تنقل ساكنيها اليومية لم ينتظر هؤلاء الأبطال الخفاء ميزانية حكومية أو مناقصات إدارية، بل حملوا المعاول والأدوات ليشاركوا بجهد عضلي ومالي في هذا المشروع التنموي المصغر.
المشهد الإنساني يعكس أبهى صور العمل الجماعي المتكامل، حيث انخرط الجميع في عملية شاقة تتطلب جهداً مضاعفاً في بيئة جبلية صعبة، كان كل فرد يساهم بما يملك: هناك من تكفل بـ الحفر والتسوية، وآخرون بتعشيب الغابة وإزالة العوائق وفريق متخصص في تعريش ونقل الحجارة لتثبيت المسار، كل واحد منهم أدى “دوره المهم” في هذا المشروع بتناغم قل نظيره ليؤكدوا أن الإرادة الشعبية إذا تجمعت قادرة على تحقيق المعجزات.
رسالة المبادرة تحمل في طياتها نقداً ضمنياً لاذعاً لـ “السبات العميق” الذي يغرق فيه بعض المسؤولين المحليين والمنتخبين، في وقت يقوم فيه المواطنون بجهود جبارة تسد الثغرات التنموية، هذه القصة تضع مبدأ المساءلة والمسؤولية على الطاولة، وتطرح تساؤلاً مشروعاً حول غياب التدخل الرسمي الفعال في المناطق النائية التي تعاني من انعدام البنى التحتية الأساسية.
رد فعل سكان المدشر كان بليغاً ومؤثراً، حيث عبّروا عن غبطتهم وسعادتهم الغامرة بهذا الإنجاز الذي سيغير حياتهم “بشكل كبير”، لم يقتصر الأمر على كلمات الشكر، بل قاموا بـ تكريم وترحيب واستضافة المحسنين، تقديراً لعملهم الخالد الذي سيبقى “ذكرى خالدة في قلوبهم” هذا التقدير يمثل أعلى مراتب الجزاء، ويؤكد على قوة الرابط الاجتماعي بين المغاربة.
هذا العمل يُضيء بقوة على أهمية التعاون والتضامن كقيمة مجتمعية راسخة، فهو يثبت أن المجتمعات المحلية، عندما تستثمر في طاقاتها البشرية وتتحد أهدافها، تستطيع أن تكسر حاجز العزلة وتخلق التغيير نحو الأفضل.
من هنا ندعو المسؤولين إلى استلهام هذه المبادرة الشعبية الرائدة وتحويلها إلى نموذج للعمل التنموي، فبدلاً من ترك عبء شق الطرق والبنى التحتية على كاهل المحسنين والمواطنين، يجب أن تكون هذه الجهود التلقائية جرس إنذار للسلطات للتحرك العاجل والفعال، والاعتراف بالجهود الشعبية ودعمها وتعميمها.
في مدشر تمليطت، أُنشئ الطريق ولكن الأهم هو أنهم شقوا طريقاً للثقة والإيمان بأنفسهم، مثبتين أن البناء الحقيقي يبدأ دائماً من الأسفل، بإرادة الناس وعرقهم.






تعليقات
0