المحكمة الدستورية تؤكد سلامة مشروع القانون التنظيمي لحق الإضراب وتحدد ضوابطه الأساسية

المحكمة الدستورية تؤكد سلامة مشروع القانون التنظيمي لحق الإضراب وتحدد ضوابطه الأساسية
المحكمة الدستورية تؤكد سلامة مشروع القانون التنظيمي لحق الإضراب وتحدد ضوابطه الأساسية
خلية التحرير الجمعة 14 مارس 2025 - 14:23

أش واقع تيفي / مجرد رأي 

أصدرت المحكمة الدستورية المغربية قرارها رقم 25/251 م د بتاريخ 12 مارس 2025، بشأن مشروع القانون التنظيمي رقم 97.15 المتعلق بتحديد شروط وكيفيات ممارسة حق الإضراب. حيث جاء هذا القرار بعد إحالة مشروع القانون إلى المحكمة من قبل رئيس الحكومة للنظر فيما مدى مطابقته للدستور، مما يجعله محطة مفصلية في المشهد الحقوقي والاجتماعي المغربي. ويعكس هذا القرار نهجا اجتهاديا يرتكز على التوازن بين الحريات الأساسية والاستقرار الاجتماعي والاقتصادي، مما يدفع بكل المهتمين والباحثين لفهم أبعاده القانونية والعملية.

 

أولا : الاختصاص الدستوري وسلامة المسطرة التشريعية

أكدت المحكمة أن اختصاصها في مراجعة مشروع القانون التنظيمي للإضراب يستند إلى الفصل 132 من دستور 2011، الذي يلزم بعرض مشاريع القوانين التنظيمية عليها قبل إصدارها. وقد استعرضت المحكمة الدستورية المسار التشريعي لمشروع القانون التنظيمي رقم 97.15 وخلصت إلى أنه احترم المقتضيات الدستورية، خاصة الفصلين 84 و85 من الدستور، إذ جرى التداول فيه بالمجلس الوزاري، قبل إيداعه بالبرلمان، حيث خضع لقراءات متعددة وصادق عليه مجلس النواب بشكل نهائي. ويبرز هذا التحليل حرص المحكمة على ضمان سلامة المسطرة التشريعية واحترام التراتبية القانونية، مما يضفي على مشروع القانون قوة إلزامية واضحة بعد صدوره.

ثانيا : مضامين مشروع القانون التنظيمي بين التقييد والضمان

  1. من حيث ضبط ممارسة حق الإضراب

خصصت المحكمة الدستورية حيزا كبيرا لتحليل مقتضيات نصوص مشروع القانون التنظيمي، حيث اعتبرت أن المادة الأولى، التي تشير إلى المرجعيات الدولية لحق الإضراب، ليست ذات طبيعة قانون تنظيمي، لكنها لا تخالف الدستور. وأكدت المحكمة أن المادتين 2 و3، المتعلقتين بتعريف الإضراب والجهة الداعية إليه، معتبرة أنهما لا تمسان بحرية الانتماء النقابي.

فيما يخص المادة 5، التي تنص على عدم مشروعية الإضرابات المخالفة للقانون، اشترطت المحكمة ألا تضيف النصوص التنظيمية شروطا غير تلك الواردة في مشروع هذا القانون التنظيمي. أما المادتين 6 و9، المتعلقتين بتأثير الإضراب على الأجور وضمانات المضربين، فقد أقرت المحكمة بأنها دستورية، لأنها تحافظ على التوازن بين حق الإضراب وحرية المقاولة.

وقد أقرت المحكمة كذلك بدستورية المادة 8، التي تجيز إمكانية إقرار السلم الاجتماعي بموجب اتفاقيات جماعية لمدة محددة، شريطة احترام الأطراف لالتزاماتها. كما اعتبرت أن المادة العاشرة، التي تخول للسلطة الحكومية المكلفة بالتشغيل اتخاذ تدابير لتيسير الوصول إلى اتفاق، تنسجم مع الالتزام الدستوري بتشجيع المفاوضة الجماعية.

  1. من حيث ضوابط وشروط إعلان الإضراب

اعتبرت المحكمة الدستورية أن المادة 11، التي تحدد الجهة الداعية للإضراب، منسجمة مع مبدأ التعددية النقابية وأكدت على ضرورة ألا تستحدث المادة 12، التي تحدد كيفيات الدعوة للإضراب، أوضاعا جديدة مخالفة لما ورد في مشروع هذا القانون.

كما رأت المحكمة أن المواد من 13 إلى 15، المتعلقة بآجال الإعلان عن الإضراب، متوازنة بين ضمان استمرارية المقاولات وحق الإضراب.

أما المادة 16، التي تلزم الجهة الداعية للإضراب بتأطير المضربين، فقد اعتبرتها المحكمة منسجمة مع مبدأ المسؤولية في ممارسة الحقوق، كما أقرت المحكمة أيضا بأن المادة 17، التي تجيز إلغاء الإضراب أو توقيفه، معتبرة أنها لا تمس بجوهر الحق.

فيما يخص المادة 18، التي تمنع الإغلاق الكلي أو الجزئي للمقاولة خلال الإضراب، فقد رأت المحكمة أنها موازنة بين حق الإضراب وحرية العمل وحماية الممتلكات، أما المادة 19 التي تمنح رئيس الحكومة صلاحية منع الإضراب أو وقفه في حالات استثنائية، فقد اشترطت المحكمة الدستورية أن يكون هذا الإجراء محصورا في حدود الضرورة، شريطة أن تصدر بقرار معلل ولمدة محدودة.

كما أقرت المحكمة دستورية المادة عشرون، التي تخول السلطات المحلية اتخاذ تدابير لضمان استمرار النشاط الاقتصادي أو المرفق العمومي، بشرط احترام الحقوق الدستورية الأخرى.

  1. إلزامية الحد الأدنى من الخدمة في المرافق الحيوية

أكدت المحكمة أن المادة 21، التي تفرض توفير حد أدنى من الخدمة في بعض المرافق الحيوية، تستند إلى أحكام الدستور التي تحمي السلامة العامة واستمرارية المرافق العمومية. كما رأت المحكمة الدستورية أن تحديد تفاصيل الحد الأدنى من الخدمة في نص تنظيمي يجب أن يتم بعد استشارة المنظمات النقابية والمهنية المعنية، لضمان التوازن بين الحق في الإضراب واستمرارية الخدمات الحيوية.

  1. العقوبات بين الردع واحترام التناسب

بينت المحكمة الدستورية في قرارها بأن العقوبات المقررة في المواد من 23 إلى 30 مشروع القانون التنظيمي ضرورية لضمان احترام شروط وكيفيات ممارسة الإضراب، وأنها متوازنة، إذ تراعي مبدأ التناسب بين المخالفة والعقوبة، دون الإخلال بجوهر الحق. وشددت المحكمة على ضرورة عدم استخدام هذه العقوبات كوسيلة لمنع ممارسة حق الإضراب المشروع.

  1. من حيث الأحكام الختامية وإجراءات التنفيذ

فيما يتعلق بالمادة 32، التي تحدد كيفية احتساب الآجال، فقد أقرت المحكمة دستوريتها، مع تفسير إضافي يستثني الأيام غير العملية، وفيما يخص منطوق المادة 33، التي تحدد معاد دخول مشروع هذا القانون التنظيمي حيز التنفيذ بعد ستة أشهر من صدوره بالجريدة الرسمية، فقد اعتبرتها المحكمة مقبولة، شرط أن يكون التأجيل متناسبا مع الحاجة إلى التهيئة القانونية.

ثالثا : قرار المحكمة وانعكاساته على المشهد القانوني

في ختام قرارها، صرحت المحكمة بأن مشروع القانون التنظيمي رقم 97.15 ليس فيه ما يخالف الدستور، باستثناء ملاحظات على بعض مواده لا سيما 1، 5 و12. وأمرت بتبليغ نسخة من القرار إلى رئيس الحكومة ونشره في الجريدة الرسمية.

 

يتبين من مجمل مضامين قرار المحكمة الدستورية رقم 25/251 م د وجود نقطة تحول في مسار تقنين ممارسة حق الإضراب في المغرب، حيث نجحت المحكمة في تحقيق توازن دقيق بين هذا الحق الدستوري وبين المبادئ الدستورية الأخرى، كحرية العمل والمقاولة واستمرارية المرافق العمومية. كما أن القرار يرسخ إطارا قانونيا واضحا، يضمن حماية المضربين من التمييز والفصل التعسفي، وفي الوقت ذاته يمنع الإضرابات العشوائية التي قد تضر بالمصلحة العامة.

ويمكن اعتبار هذا القرار خطوة مهمة نحو تعزيز الحوار الاجتماعي في المغرب، وضمان ممارسة الحقوق والحريات في إطار من المسؤولية والتوازن، مما يساهم في ترسيخ دولة الحق والقانون.

 

بقلم / ياسيــن كحلـي

مستشار قانوني وباحث في العلوم القانونية

تابعوا آخر الأخبار من أش واقع على Google News تابعوا آخر الأخبار من أش واقع على WhatsApp تابعوا آخر الأخبار من أش واقع على Telegram

أضف تعليقك

1000 / 1000 (عدد الأحرف المتبقية)

من شروط النشر : عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الإلهية، والابتعاد عن التحريض العنصري والشتائم.

تعليقات

0

مقالات ذات صلة

حقوق الإنسان العنصرية: بين القمع والدعم
الثلاثاء 11 مارس 2025 - 18:08

حقوق الإنسان العنصرية: بين القمع والدعم

العبقرية المحمدية في إلغاء ذبح الأضحية
الأحد 9 مارس 2025 - 13:43

العبقرية المحمدية في إلغاء ذبح الأضحية

الأربعاء 19 فبراير 2025 - 18:30

اليوم الوطني للسلامة الطرقية: نحو تعزيز الوعي والحد من حوادث السير

الثلاثاء 18 فبراير 2025 - 16:25

دور الوساطة الملكية في مواجهة الحجز على أموال السلطة الفلسطينية