أش واقع تيفي / أسفي
في مشهد مأساوي يهزّ الضمير الإنساني ويطرح أكثر من سؤال حول التماسك الاجتماعي والقيم التي بدأت تتآكل بصمت، اهتز حي البيار بمدينة آسفي على وقع فاجعة إنسانية بكل المقاييس، بعد العثور على جثة رجل خمسيني متحللة داخل منزله، حيث ظل لأسابيع دون أن يفتقده أحد، لا قريب ولا جار إلى أن فضح الغياب رائحة الموت التي تسللت إلى أنوف الجيران لتكشف المستور.
الضحية، رجل في الخمسينات من عمره، كان يعيش بمفرده داخل منزل متواضع بالحي المذكور، دون أن يلفت غيابه انتباه أحد، ودون أن يسأل عنه جار أو قريب اختفى فجأة وسكتت الأبواب وأُغلقت النوافذ وبقي الصمت سيد المكان إلى أن بدأت رائحة الموت تفوح من جدران العزلة والوحدة، فقام الجيران بإخبار السلطات الأمنية التي حلت بعين المكان رفقة عناصر الوقاية المدنية ليتم العثور على الجثة في وضعية متقدمة من التحلل.
وقد تم نقل الجثة إلى مستودع الأموات بالمستشفى الإقليمي محمد الخامس بأسفي في انتظار نتائج التشريح الطبي لتحديد الأسباب الدقيقة للوفاة بينما فتحت المصالح الأمنية تحقيقاً تحت إشراف النيابة العامة لتحديد ظروف وملابسات الحادث المؤلم.
هذه الواقعة الصادمة تطرح بإلحاح أسئلة موجعة حول التحولات المجتمعية التي جعلت الإنسان يفقد قيم التضامن والتراحم وحوّلت العلاقات الاجتماعية إلى جدران صمّاء لا تنصت ولا تبادر حيث أصبح “كلٌ مشغول بنفسه” في زمن تُباع فيه المشاعر بالتقسيط ويُمنح فيه السؤال على الجار بترخيص استثنائي.
هل أصبح الجار في هذا الزمان لا يعني سوى شخص يتقاسم معنا جداراً لا كلمة؟ هل ماتت إنسانيتنا إلى هذا الحد؟ وهل بلغنا مرحلة الخطر التي يكون فيها الإنسان ميتاً داخل بيته ولا ينتبه أحد إلا حينما “تشهد” الرائحة؟
لقد تحولت مدننا إلى غابات من الإسمنت البارد وعلاقاتنا إلى تحايا عابرة على عتبات المصاعد وانكفأ كل فرد داخل عوالمه الرقمية وهمومه الشخصية فغابت المبادرة وغابت الكلمة الطيبة وغاب السؤال البسيط: “كيف حالك؟”
اليوم، ونحن أمام هذه الفاجعة لا نملك سوى أن نقف مذهولين أمام “موت بالصمت” وأن نقرأ الفاتحة على رجل ربما كان ينتظر زائرًا كلمة طرقًا خفيفًا على الباب لمسة بشر لكن لا أحد جاء.
إنا لله وإنا إليه راجعون.