النظام السياسي المغربي ورهان التنمية

أسامة بوكرين الثلاثاء 4 فبراير 2025 - 16:49

ياسين المصلوحي

يعرف المغرب دينامية متسارعة على شتى المجالات الاقتصادية والاجتماعية والسياسية، جعلته يحتل مراتب متقدمة على مستوى مؤشرات التنمية بفضل السياسة العامة التي يتبناها ملك المغرب، والتي تنعكس في السياسات العمومية التي تستلهم منها ويترجم جزء منها في البرامج والمشاريع الحكومية المتعاقبة، بغض النظر عن المكونات السياسية للحكومة أو تلويناتها الحزبية، بشكل يتناسب مع الإمكانيات المتوفرة دون إغفال طموح الترقي.

هذا التداخل بين السياسة العامة السامية التي تتبناها المؤسسة الملكية، و السياسات العمومية  الإجرائية المبرمجة من طرف الحكومة، يطرح عدة تساؤلات حول حقيقة الصلاحيات السياسية و القانونية الممنوحة للحكومة، باعتبارها ممثلة للشعب كونها ناتجة عن الانتخابات الديمقراطية، التي يدلي فيها المواطن بصوته للحزب الذي يرى فيه أنه الأصلح لقيادة الحكومة و الذي يتم تعيين رئيس الحكومة منه، في حال احتلاله للمركز الأول في الانتخابات التشريعية كما ينص على ذلك الفصل 47 من الدستور، و تزداد شرعية الحكومة و من خلالها شرعية رئيسها، بعدما يقوم البرلمان بتنصيب الحكومة بعد التصويت و المصادقة على البرنامج الحكومي، الذي تتعاقد من خلاله الحكومة مع البرلمان باعتباره وسيلة تمارس من خلاله الامة سيادتها، استنادا على الفصل الثاني من الدستور فلا يكتمل تشكيل الحكومة ولا اكتساب الوضعية القانونية إلا بعد التنصيب الحكومي .

تسائلنا هذه المعطيات حول مشروعية سمو السياسة العامة عن السياسات العمومية، وللتدقيق في الحد الرفيع الفاصل بينهما، يجب علينا الخوض في التدقيق في الصلاحيات والسلط التي يمنحها الدستور للمؤسسة الملكية كمؤسسة دستورية ذات صلاحيات واختصاصات لا يجب أبدا المرور بجانبها دون تسليط الضوء عليها.

فإذا كانت الحكومة تستمد شرعيتها من تنصيب البرلمان لها (ممثلي الشعب)، و من كون رئيسها عضوا في الحزب الحاصل على أعلى نسبة أصوات في الانتخابات التشريعية، و بالتالي فهي انعكاس لإرادة الأمة و ممارسة لسيادتها، فلا يمكن نسيان أن تعيين رئيس الحكومة نفسه يكون من طرف الملك، و كذلك باقي أعضاء الحكومة باقتراح من رئيس الحكومة و موافقة الملك باعتباره رئيس الدولة، وكما أن السيادة للأمة فإن الملك هو ممثل الدولة الأسمى و رمز وحدة الأمة و بالتالي فإن كل صلاحيات الأمة تنتقل مباشرة إلى من يمثلها و رمز وحدتها، كما ينص على ذلك الفصل 42 من الدستور إضافة إلى كون الحكومة تتجدد كل خمس سنوات و تحتاج للتصريح البرلماني لممارسة صلاحياتها، و يمكن سحب الثقة منها عبر آلية البرلمان. في اختلاف تام مع هذا، فإن صلاحيات المؤسسة الملكية دائمة و غير قابلة للسحب لعدة اعتبارات أهمها، أن شرعية الملك تقوم على نظام البيعة الذي يجد حصانته في الشق الديني الذي يجعل الملك إماما و أميرا للمؤمنين واجب الطاعة في المغنم و المغرم، و متجدر في التاريخ منذ أول ملك في الأسرة العلوية، كما أن هذا النظام لا يكتفي بالبيعة الشفوية بل يتعداها لتوثيق ذلك بالوثائق و المستندات التي يتم توقيها من أعيان و كبراء و ممثلي القبائل و القرى و الروافد على اختلافها، رغم أن نظام البيعة و قوته الإلزامية غير مذكور في الدستور إلا أنه يمثل أحد أشكال العرف الدستوري باعتباره سلوكا متكررا متوفرا على عنصر الإيمان بإلزاميته من طرف الأفراد، زد على ذلك الشق القانوني الذي يتمثل في تنصيص الدستور على دور المؤسسة الملكية و مكانتها ، والذي يعتبر أسمى قانون في البلاد كونه يخضع للإرادة الشعبية التي يترجمها الاستفتاء، حيث يعطي للمؤسسة الملكية صلاحيات و اختصاصات توازي تلك الممنوحة للسلطة التنفيذية و السلطة التشريعية بصفتها شريكا في الحكم من جهة، و ساهرا على سيرورة الدولة و مؤسساتها و حكما أسمى بينها و ساهرا على احترام القانون و حسن سير المؤسسات من جهة أخرى.

هذا التقابل والتوازن في السلط، يجعل المغرب يستفرد بنظام حكم سياسي فريد من نوعه يجمع بين أصالة الحكم السلطاني الذي يستمد شرعيته من الجانب الديني و يمنح صلاحيات الإمام للملك السلطان، و معاصرة الأنظمة الديمقراطية التي تتأسس على الشرعية القانونية المخولة من الدستور و تمثيليات سيادة الأمة ، و يجعل المؤسسة الملكية سلطة تحد من سلطة المؤسسات المقابلة في تناغم مع مفهوم مونتسكيو الذي يعني “السلطة تحد السلطة”، والذي تم التأسيس له في كتاب روح القانون سنة 1748  لأن “السلطة المطلقة مفسدة مطلقة” كما جاء في رسالة اللورد جون دالبرغ اكتون إلى الأسقف مانديل كريتون سنة 1887.و بالتالي كان لزاما على المشرع أن يضع سلطة تحظى بالإجماع الوطني و تتوفر على ثقة الجماهير(المؤسسة الملكية) ، من أجل الحد من سلطة نسبية أخرى (الحكومة و البرلمان) التي رغم مرورها عبر القنوات الديمقراطية إلا أنها لا تمثل كل الشعب ولا تحظى بالإجماع المطلق، وقد لا تخدم مصالح كل الأفراد و إنما فقط مصلحة الجهة الداعمة والمساندة لها.

هذا الفسيفساء السياسي الذي يمتاز به المغرب، هو الذي جعله يجتاز عدة عقبات حتى قبل دستور 2011 الذي جاء تفاعلا من المؤسسة الملكية مع مطالب الشارع بالقيام بإصلاحات ديمقراطية جديدة اعتبرت سابقة في الانتقال الديمقراطي الذي جاء به مغرب العهد الجديد حيث تم منح رئيس الحكومة صلاحيات عديدة ورسخ لقوة ومكانة الجماعات الترابية ومنحها استقلالية كبيرة وزودها باليات وأدوات كثيرة لممارسة اختصاصاتها ولعب دورها في التنمية والمساهمة في تنزيل السياسات العمومية كما كرس مفهوم اللامركزية الإدارية……

الفرق بين السياسة العامة والسياسات العمومية، وسبل تنفيذهما ورؤيتهما الاستراتيجية، هو الذي يوضح الفرق بين أفق تطلعات المؤسسة الملكية والسلطة التشريعية والتنفيذية، اللتان لا تهتمان إلا بالنجاح السياسي الضيق والحفاظ على التفوق الانتخابي في كل محطة سياسية انتخابية معينة، بغض النظر عن الطريقة والأسلوب المستعملين، بعيدا عن الأهداف الماكرو-اجتماعية.

في المقابل، نجد أن أفق السياسة العامة المرسومة من المؤسسة الملكية يتجاوز نسبية الزمن الانتخابي للحكومة ومحدودية الأهداف السياسية للأحزاب والتكتلات، باعتبار السياسة العامة ترمي إلى تحقيق التنمية المستدامة، والإقلاع الاقتصادي الشامل، والتطور الاجتماعي المندمج، الذي لا يقصي أحدًا لأي سبب من الأسباب، بل يعتبر أن نهضة الفرد وتطوره هي جزء من نهضة المجتمع وتطوره.

هذا الاختلاف في الأهداف والمنطلقات هو الذي يحيلنا على تشخيص وضع قد يُنعَت بأن المغرب يسير بسرعتين مختلفتين: سرعة عقلانية ناجعة موضوعة على السكة الصحيحة، تحقق أهدافها وإن كانت تتطلب وقتًا ومجهودًا أكبر، إلا أنها صادقة وفعالة، وسرعة أخرى تتحرك بالولاء الانتخابي والأهداف السياسية الحزبية، وتسعى لتحقيق المصالح الضيقة لجماعات من المجتمع على حساب لُحمته وتضامنه.

إن هذا التشخيص يُخاطب فينا جانب الوعي والوطنية كمواطنين قبل كل شيء، ويدفعنا للانخراط في الأوراش التنموية والتطويرية المفتوحة التي نشعر من خلالها بأنها غير تمييزية ولا إقصائية لفئة على حساب أخرى. كلٌّ من موقعه، بقليل جهده أو كثيره، وبمختلف الوسائل والإمكانيات المتوفرة للعامل، والأجير، والموظف، والأب، والأم، والشاب، والشيخ، والرجل، والمرأة.

درب التنمية طويل وشاق، يحتاج إلى التضامن والتضحية، وقد يتطلب حصاد نتائجه تعاقب أجيال وأجيال. فقد نزرع نحن بذور تنمية يحصد ثمارها أبناؤنا أو أبناء أبنائنا.

تابعوا آخر الأخبار من أش واقع على Google News تابعوا آخر الأخبار من أش واقع على WhatsApp تابعوا آخر الأخبار من أش واقع على Telegram

أضف تعليقك

1000 / 1000 (عدد الأحرف المتبقية)

من شروط النشر : عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الإلهية، والابتعاد عن التحريض العنصري والشتائم.

تعليقات

0

مقالات ذات صلة

الثلاثاء 4 فبراير 2025 - 11:44

بوجدور : الأحوال الجوية تفرمل حركة الصيد التقليدي

الإثنين 3 فبراير 2025 - 20:07

جابتها فراسها.. هذه هي عقوبة التيكتوكر “مولات العشعوش”

الإثنين 3 فبراير 2025 - 17:46

اعتقال البطل العالمي بدر هاري وهذا هو السبب

الإثنين 3 فبراير 2025 - 16:16

توتر كبير داخل مجلس المستشارين بسبب قانون الإضراب