اش واقع
في خطوة غير مسبوقة، أصدر الملك محمد السادس توجيهًا يدعو فيه المغاربة إلى عدم ذبح الأضاحي هذا العام، حمايةً لهم من موجة الغلاء الفاحش التي اجتاحت سوق الأغنام. هذا القرار لم يأتِ من فراغ، بل جاء كردّ مباشر على فشل الحكومة في تدبير الأزمة، وعجزها عن كبح جماح الأسعار، رغم تدخلاتها المتأخرة التي لم تفلح في إعادة التوازن للسوق.
الحكومة والمراهنة الخاطئة على الاستيراد
أمام ارتفاع أسعار الماشية بسبب الجفاف ونقص القطيع المحلي، راهنت الحكومة على استيراد الأغنام من الخارج كحلٍّ لمعادلة العرض والطلب. لكن هذا الإجراء لم يكن أكثر من حلّ ترقيعي فاشل، إذ لم يفلح في خفض الأسعار، بل زاد الطين بلّة بعد انسحاب بعض المستوردين بسبب غياب الحوافز الفعالة وصعوبة تحقيق أرباح في ظل التكاليف المرتفعة. والنتيجة؟ استمرت الأسعار في التحليق، وبقي المواطن المغربي وحيدًا في مواجهة الغلاء.
تواطؤ مستوردي الأغنام: الربح فوق مصلحة المواطن
لم يكن فشل الحكومة وحده العامل الأساسي في الأزمة، بل لعب المستوردون دورًا كبيرًا في تعقيد المشهد. فبدلًا من توفير الأغنام بأسعار مناسبة، فضّل بعضهم الاحتفاظ بالمواشي أو بيعها بأسعار خيالية، مستغلين قلة العرض وارتفاع الطلب. هذا الجشع زاد من معاناة الأسر المغربية التي وجدت نفسها عاجزة عن توفير الأضحية، وهي شعيرة دينية لها مكانة اجتماعية وروحية كبيرة.
الملك يتدخل مجددًا لإنقاذ المغاربة
في ظل هذا الفشل الحكومي والتلاعب التجاري، لم يكن أمام الملك محمد السادس سوى التدخل لحماية شعبه من موجة الغلاء والجشع، ليصدر قراره الحكيم بإلغاء شعيرة الذبح لهذا العام. القرار، رغم أنه قد يكون صعبًا على المستوى الديني والاجتماعي، يحمل في طيّاته بُعدًا إنسانيًا واقتصاديًا بالغ الأهمية، إذ يحمي المواطنين من التكاليف الباهظة، ويمنح الثروة الحيوانية فرصة للتعافي بعد سنوات من الاستنزاف.
ما حدث هذه السنة يطرح تساؤلات حقيقية حول مدى قدرة الحكومة على التخطيط الاقتصادي الفعّال. هل كان من الصعب توقع هذه الأزمة مسبقًا واتخاذ تدابير استباقية؟ لماذا لم يتم دعم الفلاحين ومربي الماشية بشكل مباشر بدل اللجوء إلى حلول مؤقتة؟ ولماذا يتم دائمًا انتظار تدخل الملك لإنقاذ الموقف بدل أن تتحمل الحكومة مسؤولياتها؟
الواقع أن الأزمة كشفت مجددًا ضعف السياسات الاقتصادية للحكومة، وافتقارها إلى رؤية بعيدة المدى قادرة على حماية السوق من المضاربات وضمان استقرار الأسعار. ومع استمرار الأزمات العالمية والمحلية، يصبح من الضروري إعادة النظر في النهج الاقتصادي المتبع، حتى لا يجد المواطن المغربي نفسه في كل مرة أمام قرارات ترقيعية تُتخذ في آخر لحظة.
من يحمي المغاربة إذا غاب تدخل الملك؟
قرار الملك محمد السادس بإلغاء عيد الأضحى لهذا العام جاء كطوق نجاة للمغاربة، لكنه في الوقت نفسه شهادة إدانة للحكومة التي فشلت في تدبير الأزمة، ولم تتمكن من ضمان سوق متوازن يحمي المستهلكين من الجشع والاحتكار. السؤال الآن هو: إلى متى سيظل المواطن المغربي بحاجة إلى تدخل ملكي مباشر لإنقاذه من تداعيات سوء التدبير الحكومي؟ ومتى ستتحمل الحكومة مسؤولياتها بدل الاستمرار في التخبّط والاعتماد على حلول آنية لا تعالج جذور الأزمات؟