اش واقع
عندما يتعلق الأمر بالكفاءات المغربية المقيمة بالخارج، فإن صورة الدكتور رضوان القادري تتقدم الصفوف باعتباره نموذجاً لما يمكن أن يقدمه المهاجر المغربي من إبداع ونجاح وتميز على المستوى الدولي، دون أن يفقد ارتباطه الوثيق بأرضه الأم المغرب. فقد انتهى استطلاع واسع أجرته عدد من جمعيات المجتمع المدني لمغاربة العالم إلى اختياره شخصية السنة 2025، وهو تتويج يترجم الاعتراف الرمزي بمسار رجل استطاع الجمع بين مسارين متكاملين: مسار مهني ودبلوماسي ناجح في أوروبا، ومسار نضالي مدني من أجل مغاربة العالم وقضاياهم.
إن اختيار القادري لهذه الصفة لا يقتصر على كونه ترأس واحدة من أكبر شبكات الكفاءات المغربية بالخارج، بل لأنه استطاع أن ينقل صورة مشرفة عن المغرب في المحافل الأوروبية و الدولية، وأن يفتح أمام المهاجرين المغاربة أبواب المشاركة والاندماج وصناعة القرار. فشخصية السنة ليست مجرد لقب تشريفي، بل هي خلاصة لتجربة ممتدة في الفكر والسياسة والعمل الجمعوي والدبلوماسي.
النشأة والتكوين الأكاديمي
وُلد الدكتور رضوان القادري في سياق اجتماعي يميز الكثير من أبناء الجالية المغربية الذين حملوا معهم قيم الانتماء للوطن رغم البعد الجغرافي. نشأ في بيئة متعددة الثقافات، وارتبط منذ صغره بقضايا الهوية والانتماء، وهو ما انعكس لاحقاً في مساره الأكاديمي الذي اختار فيه العلوم السياسية والعلاقات الدولية.
نال القادري تكويناً أكاديمياً رصيناً في أوروبا، حيث راكم خبرات علمية متقدمة في مجال العلاقات الدولية، الدبلوماسية، والسياسات العمومية الأوروبية. وقد مكنه ذلك من التعمق في الملفات التي تهم المغرب على المستوى الأوروبي و الدولي، خصوصاً العلاقات المغربية البلجيكية والمغربية الأوروبية و الأمريكية بوجه عام. هذا التكوين جعله يجمع بين خلفية نظرية متينة، وقدرة عملية على الاشتغال داخل المؤسسات الأوروبية والبلجيكية.
المسار المهني والدبلوماسي
منذ بداياته العملية، شق القادري طريقه بثبات داخل دوائر القرار في بلجيكا، حيث تقلد عدة مناصب استشارية في وزارات حساسة مثل الداخلية، العدل، المالية، والشباب والإدماج. ومن خلال هذه المواقع، لعب أدواراً مهمة في بلورة سياسات تهم قضايا المهاجرين والأجانب، مع تركيز خاص على قضايا الجالية المغربية.
تميز القادري بقدرته على بناء الجسور بين المؤسسات الأوروبية والجالية المغربية، مستفيداً من موقعه كخبير وفاعل دبلوماسي غير رسمي. كما راكم تجربة واسعة في التعاطي مع ملفات الإدماج والهجرة والأمن والتعاون الثنائي، مما جعله صوتاً مسموعاً داخل الأوساط السياسية البلجيكية والأوروبية.
جامعة الكفاءات المغربية المقيمة بالخارج
يعد القادري مؤسساً ورئيساً لـ جامعة الكفاءات المغربية المقيمة بالخارج، وهي منصة تضم أكثر من 100 ألف منخرط موزعين على 57 بلداً عبر القارات الخمس. هذه الجامعة ليست مجرد إطار تنظيمي، بل هي شبكة تواصل ومبادرة استراتيجية تهدف إلى جمع شتات الكفاءات المغربية في الخارج، وتمكينها من لعب أدوار ملموسة في التنمية بالمغرب، وفي التأثير على السياسات ببلدان الإقامة.
تحت قيادته، تحولت الجامعة إلى قوة اقتراحية ومخزون استراتيجي، سواء في الاقتصاد أو الثقافة أو البحث العلمي. كما وفرت فضاءً لتبادل الخبرات، وعززت صورة المغرب كبلد يزخر بموارد بشرية عالمية. ويشهد منخرطوها بأن القادري استطاع أن يمنح المؤسسة نفساً جديداً، بفضل قدرته على الجمع بين العمل الأكاديمي والدبلوماسي والجمعوي.
تجربة مؤسسة الملك بودوان
يعتبر انتخاب القادري في يوليوز 2021 عضواً دائماً في مؤسسة الملك بودوان (Fondation Roi Baudouin) لحظة فارقة في مساره. فهذه المؤسسة هي من أهم المؤسسات الاجتماعية والإنسانية في بلجيكا، ذات امتداد عالمي، وتتعامل مع قضايا كبرى مثل التنمية، حقوق الإنسان، والتضامن الدولي.
انتخابه تم خلال جمع عام استثنائي في القصر الملكي ببروكسل، وسط منافسة قوية بين عشرات المرشحين، غير أن خبرته وعطاءه أقنعا أغلبية الأعضاء بالتصويت لصالحه. وبذلك أصبح أول مغربي ينال هذه المكانة، مع تكليفه بمهمة الإشراف على قضايا الأجانب في بلجيكا، إضافة إلى تمثيل المؤسسة في شمال إفريقيا والشرق الأوسط.
هذا الاعتراف لم يكن مجرد حدث بروتوكولي، بل شكل نقلة نوعية في حضور الكفاءات المغربية داخل أكبر المؤسسات الأوروبية، ورسالة بأن مغاربة العالم قادرون على الوصول إلى مواقع مؤثرة وصناعة القرار على أعلى المستويات.
تعزيز صورة مغاربة العالم
من خلال أدواره المتعددة، استطاع القادري أن يكون صوتاً لمغاربة العالم، مدافعاً عن قضاياهم، وممثلاً لطموحاتهم. لقد تبنى قضايا الإدماج، والتعليم، والهوية، والحقوق، وأثبت أن المهاجر المغربي ليس مجرد عامل أو فرد من الجالية، بل هو كفاءة عالمية تساهم في تنمية المجتمعات الأوروبية، وفي الوقت نفسه تظل مرتبطة ببلدها الأصلي.
ويمكن القول إن اختياره شخصية السنة 2025 هو اعتراف بدور مغاربة العالم في دعم صورة المغرب، وفي جعلهم جسراً بين المملكة والعالم.
إسهاماته الفكرية والتحليلية
لا يتوقف حضور القادري عند الجانب العملي، بل يمتد إلى الحقل الفكري والإعلامي. فقد كتب مقالات وتحليلات سياسية حول قضايا المغرب وأوروبا، من أبرزها قراءته للتحولات السياسية في إسبانيا و الانجليزية، ومستقبل العلاقات المغربية الأوروبية. هذه التحليلات جعلت منه مرجعاً لدى وسائل الإعلام ومراكز التفكير، لقدرته على تقديم مقاربات دقيقة تجمع بين العمق الأكاديمي والخبرة العملية.
شخصية السنة: رمز ومعنى
إن اختيار الدكتور رضوان القادري شخصية السنة 2025 لمغاربة العالم ليس مجرد تتويج فردي، بل هو تكريم لجيل كامل من الكفاءات المغربية بالخارج التي أبانت عن قدرتها على العطاء والنجاح والتأثير. فالقادري يمثل صورة المغربي الذي ينجح في أوروبا، يندمج في مؤسساتها، ويتبوأ مناصب عليا، لكنه في الوقت نفسه يظل وفياً لقضايا وطنه ومتشبثاً بهويته المغربية.
خلاصة
من خلال مساره المتعدد الأبعاد – أكاديمي، دبلوماسي، جمعوي، وتحليلي – أصبح الدكتور رضوان القادري نموذجاً لمغاربة العالم الذين استطاعوا أن يرفعوا راية المغرب في المحافل الدولية. واختياره شخصية السنة 2025 يؤكد أن الاعتراف بالكفاءات المغربية بالخارج لم يعد ترفاً، بل ضرورة لإبراز الصورة الحقيقية لمغرب غني بأبنائه وبناته أينما وجدوا.
وبذلك، يظل القادري عنواناً لمسار متجدد، ورسالة أمل للأجيال المغربية الصاعدة في الخارج بأن النجاح ليس نهاية الطريق، بل هو بداية لمسؤولية أكبر تجاه الوطن الأم وتجاه العالم.
تعليقات
0