أش واقع تيفي / هشام شوراق
تصادم عنيف بين الواقع والأرقام الرسمية تشهده الساحة الرياضية المغربية، ففي الوقت الذي أعلنت فيه الجامعة الملكية المغربية لكرة القدم، عبر قنواتها الموالية، عن “بيع 54 ألف تذكرة” لمباراة المنتخب الأخيرة، كان المشهد داخل ملعب الأمير مولاي عبد الله يكذب هذه الأرقام بشكل صادم المدرجات الشاسعة، التي ظلت شبه خاوية رغم التوقعات الرسمية بـ”إقبال كبير ونفاذ جميع التذاكر”، فضحت بشكل قاطع فشل المقاربة الاتصالية لجامعة فوزي لقجع، لتصبح هذه الحادثة دليلاً ملموساً على أزمة ثقة عميقة تفاقمت مع تصاعد احتجاجات “جيل زد 212”.
الجامعة تُبحر عكس التيار وتلجأ لـ”الهروب إلى الأمام”، مُراهِنةً على تجنيد “المؤثرين” لتلميع صورتها وخلق “حماس اصطناعي” حول المنتخب، غير أن الرياح جرت بما لا تشتهيه سفن لقجع، حيث قوبلت هذه المحاولات برفض جماعي شبه تام من المؤثرين، الذين اختاروا الانحياز لـ”غضب جيل زد” وتجنب التهميش الرقمي، بل إن قوة الجمهور الرقمي بلغت حداً غير مسبوق، إذ تعرض المؤثرون الذين واصلوا التعامل مع الجامعة لـ”حملات تبليغ إلكترونية واسعة” أدت إلى تعليق حساباتهم، في إشارة إلى تحول الجمهور إلى قوة رقابة اجتماعية حقيقية وفعالة.
مقاربة “صناعة الوهم” تنهار تحت وطأة العزوف الجماهيري، فبعد فشلها في تعبئة الجمهور عبر المؤثرين والأرقام المُبالغ فيها، اضطرت الجامعة، في خطوة وصفت بـ”المتأخرة والبائسة”، إلى فتح الأبواب مجانًا ونقل حافلات من تلاميذ وسكان الأحياء لـ”ملء الفراغ”، هذا المشهد كشف بوضوح أن الإقبال المعلن عنه لم يكن سوى “تسويق إجباري” وأكد أن المقاطعة كانت ناجحة ومؤثرة، وأن الجمهور يرفض التعامل مع قضايا الشأن العام، بما فيها الرياضة، عبر “حملات تجميل سطحية”.
السوق السوداء تتحول إلى مؤشر اقتصادي صادق على الأزمة، حيث انقلب حال تذاكرها، التي عادة ما تضاعف سعرها، لتباع بأقل من نصف الثمن الرسمي، هذه الظاهرة الاقتصادية الموازية تدحض أي تبرير رسمي لغياب الجمهور وتؤكد أن الأزمة تتجاوز مجرد سوء التنظيم لتلامس جوهر “أزمة الثقة” هذا الانقلاب هو دليل دامغ على أن “العزوف الجماهيري الحقيقي” أكبر بكثير مما تحاول الجامعة إخفاءه خلف الأرقام.
“جيل زد” يغير قواعد اللعبة ويضع المحاسبة فوق الفرجة، فالدرس المستفاد من هذه الانتكاسة هو أن الجيل الجديد لم يعد يكفيه مجرد فرجة رياضية بل يطالب هذا الجيل بـالشفافية، والمحاسبة، والصوت المسموع في كل قضايا الشأن العام، إن الرفض الجماعي للتعامل مع “المشهد الرسمي المعزول عن الواقع” يحول الساحات الرقمية إلى ساحات مقاومة تعاقب كل من يحاول إبعاد النقاش عن الإصلاحات الجوهرية.
رسالة صارمة يجب أن تصل إلى فوزي لقجع وفريقه، مفادها أن “حشد الجماهير” لا يتم عبر المؤثرين ولا عبر الأرقام المُضللة، بل عبر إصلاحات حقيقية ومقاربة شفافة تفتح أبواب التواصل مع الشعب بدل مواجهته، إن جامعة كرة القدم تعيش اليوم أسوأ لحظات فقدان الثقة الشعبية وستظل المدرجات الفارغة شاهدة على فشل الرهان على “التلميع الإعلامي” كبديل عن الإصلاح.
تعليقات
0