الجديدة تدق ناقوس الخطر: غضب اجتماعي يتصاعد مطالب بفتح تحقيق شامل في تدبير الشأن المحلي

أش واقع تيفي / الجديدة

انفجر الوضع في مدينة الجديدة، عاصمة دكالة، برسالة استغاثة غير مسبوقة وجهها “ساكنة مدينة الجديدة” مباشرة إلى وزير الداخلية، السيد عبد الوافي لفتيت، مطالبين بتدخل فوري لوقف النزيف الإداري والمالي التراكم المهول لسوء التدبير والاختلالات على مستوى الجماعة الترابية وضع المدينة، التي كانت تُعرف بجمالها وهدوئها، على حافة الانهيار، وهو ما يفرض على الوزارة الوصية اتخاذ تدابير حاسمة تتماشى مع خطورة الموقف، وتشير التقارير الواردة إلى أن الخلل يتجاوز سوء التدبير ليشمل “العبث” في تنفيذ المشاريع، حيث تخرج الصفقات العمومية من الجماعة لكنها تبقى “غير مفعلة” على أرض الواقع أو تتجسد مشاريعها بشكل لا يمت بصلة لما هو مُدوّن في الوثائق الرسمية، مما يطرح بقوة شبهات التلاعب والفساد في سجلات التنفيذ.

تؤكد المعطيات الواردة في النداء على تآكل ممنهج للثقة العامة، حيث يعيش المواطن الجديدي حالة إحباط قصوى جراء “التسيّب الإداري والتقاعس عن أداء الواجب” هذا الفشل الذريع في التسيير انعكس بوضوح على المشهد العام، فالمدينة باتت “مخربة” بالكامل وتفتقر لأدنى مقومات التنمية حيث تكشف الوقائع عن تعطيل ممنهج للمرافق الحيوية، فـ المحطة الطرقية وسوق الجملة يظلان مغلقين لسنوات طويلة رغم جاهزيتهما، نتيجة اختلالات تحول دون تشغيلهما، أما الأسواق النموذجية، فمصيرها الإغلاق بعد أن استفاد من محلاتها أشخاص لا علاقة لهم بالنشاط التجاري وفق منطق “باك صاحبي” ولا يقتصر الأمر على التعطيل، بل يمتد إلى سوء التخطيط، فـ محطة القطارات الحالية لا ترقى لمستوى مدينة سياحية كبرى، بينما المساحات الخضراء، التي تم رصد ميزانية ضخمة لها، بقيت حبراً على ورق ولم يُصرف عليها أي شيء وفي المقابل لهذا الشلل التنموي، تتفاقم الظواهر السلبية كانتشار المخدرات الذي “يغزو الشوارع” ويهدد الأمن والسلم الاجتماعي، ليصبح الإهمال الإداري والأمني وجهين لعملة واحدة.

يكشف التقرير الميداني للمواطنين عن خيوط شبكة من استغلال النفوذ، حيث يتم التلميح بوضوح إلى أن “ذوي النفوذ كلهم يساغلون المناصب للفوز بالصفقات العمومية” هذه الممارسات المشبوهة تطرح علامات استفهام كبرى حول شفافية الصفقات العمومية ونظام منح التراخيص، وتؤكد الحاجة الملحة لفتح تحقيق قضائي وإداري شامل في آليات صرف المال العام.

المفارقة الاقتصادية الصارخة تزيد من حدة الغضب الشعبي، فالمدينة التي تحتضن “أكبر مصنع OCP” بالإضافة إلى منطقة صناعية أخرى، كقاطرة اقتصادية وطنية، لم تنجح في تحويل هذا الثقل الصناعي إلى تنمية محلية ملموسة فـ “البطالة تغزو الشباب” الذين يجدون أنفسهم أمام واقع مرير: نادراً ما يستفيد أبناء المنطقة من فرص العمل المباشرة، وحينما تتوفر تكون في “مناصب الأمن الخاص أو النظافة” فقط، بينما تذهب المناصب العليا والإدارية إلى “الغرباء أو باك صاحبي” عبر المحسوبية، ليكون نصيبهم الوحيد من التنمية هو “التلوث فقط” هذا التهميش الاقتصادي هو السبب المباشر لتفشي الظواهر الاجتماعية الخطيرة كالسرقة و”الكريساج” (الاعتداءات) وارتفاع معدلات الهجرة السرية والتعاطي للمخدرات في صفوف الشباب العاطل.

أمام هذا المشهد المتدهور لم يعد مطلب الساكنة يتعلق بالإصلاحات الترقيعية، بل بات الأمر يستدعي “جراحة” إدارية تحت إشراف الداخلية، الطلب المحوري هو إيفاد “لجنة من المفتشية العامة للإدارة الترابية” للتدقيق المالي والإداري الشامل، مع تفويض كامل لـ “فتح ملفات جماعة الجديدة بكل جرأة وشفافية”، دون استثناء أي جانب من جوانب التدبير بما فيها التعمير والموارد البشرية.

تكتسب هذه المطالب مشروعيتها وقوتها من التوجيهات الملكية الصريحة التي جعلت من “محاربة الفساد والمفسدين وترسيخ دولة الحق والقانون” أولوية وطنية، الساكنة تؤكد أن هذا التدخل المباشر من الوزارة الوصية هو السبيل الوحيد لـ “استعادة هيبة المؤسسات” وضمان تطبيق مبدأ المحاسبة الذي لا يجب أن يستثني أحداً، مهما كان موقعه ونفوذه.

السيد عبد الوافي لفتيت، بصفته وزيرًا للداخلية، يواجه اليوم تحديًا مزدوجًا: تحدي إداري يخص الرقابة والتدقيق في التدبير المحلي، وتحدي أخلاقي يتعلق بالحفاظ على ثقة المواطنين في المؤسسات التمثيلية، قرار التحرك العاجل بات ضرورة لا خياراً، ويشكل امتحاناً حقيقياً لمدى فعالية آليات الرقابة المركزية في لجم جماح التدبير المحلي المهترئ وضمان سير المؤسسات في الاتجاه الصحيح.

في الختام، تبقى الرسالة التي يرفعها ساكنةمدينة الجديدة بمثابة إنذار أخير: “إنّ مدينة الجديدة تستغيث، وساكنتها تنتظر من وزارة الداخلية أن تنتصر للقانون والواجب والمسؤولية”، إنها صرخة تدفع نحو إحقاق العدل والمحاسبة، حتى يدرك الجميع أن “الدولة لا تنام”، وأن زمن الإفلات من العقاب قد ولى إلى غير رجعة.