مراقبة دستورية المسطرة المدنية.. تحقيق مغنمين

زينة ادحلي
محامية ونائبة برلمانية

 

 

تعرض مشروع قانون المسطرة المدنية رقم 02.23 المصوت عليه بمجلس النواب في قراء ة أولى بالجلسة العامة المنعقدة في 23 يوليوز 2024 لانتقادات كثيرة أثارتها المعارضة البرلمانية كما أثارتها هيآت المحامين التي خاضت حملة غضب على المشروع سواء بالإضراب أو الاحتجاج، معتبرين بعض مقتضياته غير دستورية وتتعارض مع بعض المقتضيات والحقوق الدستورية، من قبيل الحق في التقاضي المنصوص عليه في الفصل 118 من دستور المملكة لسنة 2011، علاوة على خرقه للمقتضى الدستوري القاضي بكون الأحكام النهائية الصادرة عن القضاء ملزمة للجميع، وأن مقتضيات المادة 17 من المشروع التي تنص على أن النيابة العامة لها صلاحية الطعن في الأحكام النهائية سواء كانت طرفا في الدعوى أم لا ودون التقيد بأجل الطعن كلما تبين لها أن الحكم القضائي يخالف النظام العام، تخالف أحكام الفصل 126 من الدستور الذي ينص على أن الأحكام النهائية ملزمة للجميع.

وفي مبادرة نشيد وننوه بها أعرب رئيس مجلس النواب السيد رشيد الطالبي العلمي عن عزمه إحالة هذا القانون على المحكمة الدستورية بمجرد التصويت عليه بمجلس المستشارين بعد إدخال بعض التعديلات عليه إن وجدت، وبعد عرضه على مجلس النواب في قراءة ثانية ليقول كلمته الأخيرة بشأنه، قصد إنهاء الجدل القانوني المثار، وتأتي هذه الإحالة في إطار تفعيل مقتضيات الدستور وخاصة الفصل 132 الذي ينص على أنه يمكن لرئيس مجلس النواب أن يحيل القوانين قبل إصدار الأمر بتنفيذها على المحكمة الدستورية لتبت في مطابقتها للدستور، كما أن هذه الإحالة تعبر عن مدى اعتبار بلادنا دولة مؤسسات وأن كل مؤسسة تؤدي أدوارها وفقا للقانون وتحت مظلة الدستور الذي يؤطر العلاقة بين السلطات والمؤسسات.

ولابد أن أشير في هذا الصدد، إلى أن المحكمة الدستورية هي الساهرة على احترام القوانين للكتلة الدستورية وفق مساطر دقيقة، وأن إحالة قانون المسطرة المدنية على المحكمة الدستورية له إيجابيات عدة نظرا لكونه قانون إجرائي يشكل الشريعة العامة للقوانين الإجرائية ويؤطر الدعاوى منذ التقدم بها إلى القضاء إلى غاية صدور أحكام نهائية بشأنها بالإضافة إلى تنفيذها سواء بالوسائل الاختيارية أو الجبرية، كما أن بسط رقابة المحكمة الدستورية على القانون سيجنب المحاكم كثرة الدفوع بعدم دستورية مقتضياته من طرف المحامين والمتقاضين، نظرا لكون دستور المملكة لسنة 2011 جاء بمستجد حقوقي في غاية الأهمية في الفصل 133 يتمثل في أحقية المتقاضين في الدفع بعدم دستورية المقتضى القانوني الذي سيطبق على قضاياهم المعروضة على القضاء، وإن مشروع القانون التنظيمي رقم 86.15 المتعلق بتحديد شروط وإجراءات الدفع بعدم دستورية قانون على مشارف الخروج لحيز الوجود، وبناء على الأحكام الواردة بمشروع هذا القانون التنظيمي فإن إحالة قانون المسطرة المدنية برمته على المحكمة الدستورية وبسط رقابتها عليه سيمنع مستقبلا إثارة الدفوع بعدم دستورية مقتضياته لأن المادة الخامسة من مشروع القانون التنظيمي 86.15 نصت على شروط الدفع بعدم دستورية قانون ومن بين هذه الشروط، ألا يكون قد سبق البت بمطابقة المقتضى التشريعي محل الدفع للدستور، ما لم تتغير الأسس التي بني عليها البت المذكور.

واعتبارا لكل ما أشرنا اليه من أهمية إحالة قانون المسطرة المدنية 02.23 على المحكمة الدستورية فإن هذه الإحالة ستحد من الاحتقان الذي ساد في أوساط الفاعلين في حقل العدالة وذلك ببسط رقابة المحكمة الدستورية على القانون، وستشكل مانعا دون الدفع بعدم دستورية مقتضياته أمام المحاكم وما سيصاحبه من كثرة الملفات التي ستحال على المحكمة الدستورية وإطالة أمد القضايا أمام المحاكم، لذا فإن هذه الإحالة التي من المرتقب أن يقوم بها السيد الرئيس رشيد الطالبي العلمي حين يحين وقتها تستحق الإشادة والتنويه لأنها ستحقق مغنمين.

التعليقات مغلقة.