مراحيضٌ للتشهير

أسامة بوكرين

 

لأن للحرية طعماً مختلفاً لا يشبِه الأشياء الأخرى فإن الإحساس بها لا يأتي إلا مع الحِرمان منها، وهذا تماماً ما وقَع لكلِّ مَن يحمِل بينأصابِعه قلماً جيداً أو يمتلِك ملكاتٍ خطابِية لذيذَة تسعِفه على الأقل في البَوحِ بما عِشناه من ردّة حقوقية في فترة ما قبل الجائحة بسنتينوبعدها بكلِ هاتِه السنوات العجاف.

ولن أخفيكم أن الملك حينما أفرَج عن سليمان الريسوني وتوفيق بوعشرين وعمر الراضي وأنهى أزمة المعطي منجب وهشام المنصوري ومَنمعهم من الأصوات التي اختارَت ألا تمشي في السرب وتغرّد خارجه،حين ذلِككأنما أفرَج عنا جميعاً وأنهى قيوداً غير ليّنة تماماً كانتتحيط بأعناقِنا وأصابعنا.

لَم يعد هناك من شخصٍ سيخيفنا بمصير سليمان الريسوني لأننا نعلَم أن الملِك لَن يقبَل ذلِك، ولَن يرعِبنا أي مشهرٍ غبي بأن كتابة مقالٍبسيط في جريدة قد يجرّنا إلى عقودٍ في السجن لأننا أضحينا نعلَم أن الملِك لَن يقبل ذلك.. هذا هو صلب ما جعَل الهواءَ مختلِفٌ جداً بعدخطاب عيد عرش 2024.

غادَر معتقلو الرأي سجون المغرب في فرحةٍ واحدة عكس حتى أقصى ما كنا نطمَحه إليه، وللملِك الفضل الأكبَر في هذا، لكن جزءً ممن بنواثروتهم على وجود هؤلاء الأصوات المختلفة في السجن لَم يستصيغوا ذلِك.. لأن تسميتهم بصحافة التشهير لَن يكون أبداً أبلغ مما قاله الزميلسليمان الريسوني من كونهِمصحافة مراحيض“.

وإذا أردنا أن نكون منصفين قليلاً فلنتجذّر عن عبارة الريسوني لنعتبِرهممراحيض للتشهيرحيث يجتمِع مجموعة من الراغبين في أشياءغير ما يبتغيه المغاربة ومعهم جلالة الملك، ويُقيمون في مكاتِب بُنِيَت حيطانها من أموالٍ جاءَت على حسابِ أعراض الموجودين داخِل السجونوالتنكيل بعائلاتهم خارجه.

أصوات وأقلام تخصّصت للنهش في بوعشرين يومَ سقطَ سقطة رجلٍ واحِد، ولمسخِ سليمان حينَ كادَ له الجميل، ولتقزيم عمر الراضي يومجاءَت ساعته، ولتسفيهِ الجميع في سمفونية واحِدة كنا جميعاً نعلَم أنها مصدر قوتٍ قذرٍ لهم ولا بد أن يأتي يومها عاجلاً أم آجلاً.

لَن يكون عويلمراحيض التشهيريُسايِر شيئاً في هذا البلد بعد العفو الملكي الذي قوَّم المسار، ولَو يكون أمام هؤلاء شخصٌ عاجِزلينهشوا لحمه بعد أن صارَت السجون بيضاءً ممن وُجد فيها لأن له قلماً أو رأياً وظهرت بوادِر تبييضها ممّن تبقى من معتقلي حراك الريف،ولَن يكون أمام هؤلاء مصيرٌ غير مزبلة التاريخ كي يُكتَب فيها اسمهم كأصواتٍ رفضها الشعب والنظام.

التعليقات مغلقة.