اش واقع
في مشهد يثير الدهشة والاستغراب، يشهد مهرجان المهارزة الساحل هذا العام ظاهرة غريبة تتمثل في تغييب وسائل الإعلام واستبدالها بما بات يُعرف بـ”صناع المحتوى” من اليوتيوبرز وأصحاب الحسابات على منصات التواصل الاجتماعي. هذا التحول الذي قد يبدو للوهلة الأولى تماشياً مع العصر، يخفي وراءه إشكاليات عميقة تهدد جوهر العمل الإعلامي وتضرب في صميم مهنية نقل الخبر وتحليله.
لقد أضحى المشهد مؤسفاً حقاً، إذ نرى بعض هؤلاء “اليوتيوبرز” يتسكعون في أرجاء المهرجان، يثقلون كاهل رواده من “الباردية” بـ “السعاية”، مستجدين بعض الدريهمات في مشهد يتنافى مع أبسط قواعد المهنية والأخلاق. وفي المقابل، نجد أحد المسؤولين عن التواصل في المهرجان يصرح بكل وقاحة عن عدم رغبته في الاعتماد على الصحافة، زاعماً أنها “غير ذات نفع”، مفضلاً الاتكال على صانعي المحتوى لكونهم – حسب زعمه – لا يكلفون المهرجان شيئاً حتى من الناحية اللوجستية.
إن هذا التصريح المستفز يكشف عن جهل فاضح بدور الصحافة في المجتمع الحديث. فالصحافة ليست مجرد ناقل للأخبار، بل هي عين المجتمع الساهرة، وصوته الناقد، ومرآته العاكسة. إنها الجهة التي تسائل وتحلل وتنقد، وتقدم رؤية متكاملة للأحداث بعيداً عن السطحية والانبهار الزائف.
إن استبدال الإعلام المهني بصناع محتوى غير مؤهلين سيؤدي حتماً إلى انحدار في مستوى التغطية، وضحالة في التحليل، وغياب للنقد البناء. سنشهد تغطيات سطحية تركز على الشكليات وتهمل الجوهر، وستغيب الأسئلة الحرجة لصالح المجاملات الفارغة.
علاوة على ذلك، فإن هذا التوجه يهدد استقلالية التغطية الإعلامية. فهؤلاء “اليوتيوبرز” الذين يعتمدون على “السعاية” لن يكونوا في وضع يسمح لهم بتقديم نقد موضوعي أو طرح أسئلة جادة. سيصبح الإعلام – إن صح تسميته كذلك – مجرد بوق دعائي للمهرجان، يفتقر إلى أدنى درجات المصداقية والموضوعية.
إن على القائمين على مهرجان المهارزة الساحل أن يدركوا أن الصحافة الحقيقية هي شريك أساسي في نجاح أي فعالية ثقافية. فهي التي تضمن وصول رسالة المهرجان إلى الجمهور بشكل مهني ومسؤول، وهي التي تساهم في تطويره من خلال النقد البناء والتحليل العميق.
ختاما، نقول إن تغييب الصحافة عن المهرجانات والفعاليات الثقافية هو خطأ فادح سيؤدي إلى تراجع في المستوى وانحدار في القيمة. فلنتذكر دائماً أن الإعلام الحقيقي هو صوت المجتمع وضميره، وأن أي محاولة لتهميشه أو استبداله هي في حقيقتها محاولة لإسكات هذا الصوت وتغييب هذا الضمير.
التعليقات مغلقة.