نحو فهم النظريات الكبرى للإعلام الجديد

اش واقع 

 

يمكن تعريف الإعلام الجديد على أنه كل محتوى إعلامي يتم بثه أو نشره عن طريق الوسائل الإعلامية المستحدثة والتي من الصعب إدراجها تحت غطاء الوسائل التقليدية للصحافة مثل الراديو أو التيليفزيون أو الصحافة الورقية، بفعل التطور التكنولوجي المشهود الذي تعيشه عملية إيصال المعلومة في زمن وسائل التواصل الاجتماعي والمواقع الرقمية المرتبطة بالشبكة العنكبوتية.
وبشكل أدق فإن الإعلام الجديد هو أي من الوسائط سواء مقالات صحفية أو بودكاست أو فيديو تم إنجازه وفق القواعد المهنية المتعارف عليها في الصحافة وتمّ تسليمها رقميا للمتلقي أو القارئ عبر موقع أو بريد إلكتروني أو تطبيق..
وحسب قاموس Laster Dictionary فإن الإعلام الجديد هو مجموعة تكنولوجيا الاتصال التي تولّدت من التزاوج بين الكمبيوتر والوسائل التقليدية للإعلام، الطباعة والتصوير الفوتوغرافي والصوت والفيديو، ويمكن تعريفه كذلك على أنه تسخير التكنولوجيا في نشر الأخبار والمعلومات والمعارف من خلال عملية دمج وسائل الإعلام القديمة مع الأدوات الرقمية وشبكة المعلومات العالمية بما يحقّق الاتصال التفاعلي بين المرسل والمستقبل بسرعة فائقة عبر تكنولوجيا الانترنت ومواقع الشبكات الاجتماعية التي تستخدم تقنية الويب.
ويجري استخدام مصطلح الإعلام الجديد كترجمة نقلية عن كلمة « NewMedia » باللغة الإنجليزية و”Nouveaux media’ بالفرنسية وهذا ما يوضح الأسبقية الغربية في التعاطي مع التطور الإعلامي من شكله التقليدي إلى وسائله الحديثة التي هي موضوع بحثنا اليوم.
وفي الأعراف الغربية يشار إلى أن الإعلام الجديد هو اعتماد مجموعة من تطبيقات الاتصال الرقمي والنشر الإلكتروني بأنواعها المختلفة في الصناعة الإعلامية من خلالها أجناسها المتعارف عليها أو تلك التي شهدت تغيرات جذرية بفعل التطور التكنولوجي الملحوظ الذي عرفه قطاع الاتصال.
ويعرّف قاموس الكومبيوتر الاعلام الجديد على أنه الطرف الطرق الجديدة في الاتصال داخل البيئة الرقمية بما يسمح للمجموعات الأصغر من الناس بإمكانية الالتقاء، والتجمع في الأنترنت، وتبادل المنافع والمعلومات، وهي بيئة تسمح للأفراد والمجموعات بإسماع صوتهم وصوت مجتمعاتهم إلى العالم أجمع.

كلية شرديان التكنولوجية « sheridan » تضع تعريفا للإعلام الجديد على أنه جملة من أنواع الإعلام الرقمي الذي يقدم في شكل رقمي وتفاعلي، وهنالك حالتان تميزان الجديد من القديم، الطيفية التي يتم بها بث مادة الإعلام، وكيفية الوصول إلى خدماتهـ فهو يعتمد عل اندماج النص، الصورة، الفيديو والصوت، فضلا عن استخدام الكومبيوتر كأداة في عملية الإنتاج، والعرض، أما التفاعلية فهي تمثل الفارق الرئيس الذي يميزه وهي أهم سماته.
​ويمكن القول هنا بأن الإعلام الجديد مفهوم غير ثاب لكونه في الأصل ارتبط بحركية وسائل ووسائط نقل المعلومة، ولا يمكن عزله عن التطور الذي تشهده المادة موضوع عرض أو بث المعلومة بما تقتضيه الضوابط المهنية.
وعبر كل هذه المفاهيم والتعاريف نجد من يرى بأن الإعلام الجديد يشترك مع الإعلام التقليدي في المفهوم والمبادئ العامة والأهداف، ويتميز عنه في اعتماد الانترنت والشبكة العنكبوتية كوسيلة جديدة لنقل الجنس الصحافي المنجز إلى المتلقي أو القارئ.

وفي السياق ذاته يرى كل من “Grosten § boulter ” أن الإعلام الجديد ما هو إلا تطور تاريخي بالمعنى الإيجابي، للإعلام التقليدي، يتفاعل معه ويصلح كل واحد منهما الأخر، فالإعلام كان وسيظل يتميز بصفة الانتقالية، فما كان بالأمس جديدا أضحى اليوم قديما، فالإعلام الجديد في كل طور من أطواره وهو ما أشار إليه ماكلوهان في تبيانه للعلاقة بين الوسائل الإعلامية الجديدة التقليدية، من خلال تمديد الوسيلة القديمة وجعلها أكثر فائدة وأرفع قيمة.

ويمكن الوقوف عند ما أشير له من ناحية التأصيل الأكاديمي لنظرية الاتصال في الإعلام الجديد عبر هذه النظريات الكبرى :

مدخل نيغروبوتي

يميز نيغروبوتي الإعلام الجديد عن نظيره التقليدي ينحصر في استبداله للبتات بالذرات والوحدات المادية الرقمية، هاته الأخيرة التي يتم استعمالها كأداة رئيسية في حمل المعلومات ونقلها للمتلقي أو القارئ بشكل إلكتروني وليس فيزيائي. ويشير إلى أن نقل المعلومة عبر الصوت أو الصورة أو الكتابة انطلاقا من استخدام الطرق الإلكترونية المستحدثة بدلا عن الورق أو التوزيع الشفهي المتواتر، هو أصلا العملية النقلية داخل الإعلام الجديد.

ويرى نيغروبوتي في تطرّقه لميزات الإعلام الجديد بأن هذا الأخير قادر على المخاطبة الرقمية المزدوجة لأنه عبارة عن نموذج تطور من خلال عملية نقل المعلومات رقميا من حاسوب إلى أخر أو لوحة رقمية إلى أخرى، نحو تطور وتواصل غير محدود للأجهزة مع بعضها، وهذا الأسلوب حسب الباحث يلبي الاهتمامات الفردية والعامة.

وتمكن أهمية الإعلام الجديد حسب نيغروبوتي في كون الرقمية لها القدرة على المخاطبة المزدوجة للرغبات والاهتمامات ولا يمكن تلبيتها بالإعلام القديم والوسائط التقليدية لنقل المعلومة.

بينما تكمن الميزة الأكثر أهمية حسبه في خروج الإعلام من السلطة التي تمثلت سابقا في الكنيسة وتتمثل حاليا في الرقابة إلى أيدي الناس جميعا، وكان هذا التطوّر المهم أخذ السمة الكاملة بظهور الشبكة العنكبوتية التي جاءت بتطبيق جديد وغير مسبوق، وتمكنت من تحقيق الاتصال الجماعي بين جميع الناس.

وهنا يؤصّل نيغروبونتي لما يميّز الإعلام الجديد في مفهومه الواسع الذي يحمل جميع التسميات الخاصة به عن الإعلام التقليدي.

نظرية النماذج الاتصالية لفين كروسبي

يتوافق فين كروسبي مع نيغروبونتي في نفس الأفكار تقريبا، ويعقد مقارنة متسلسلة بين الإعلام الجديد والقديم من خلال النماذج الاتصالية الكلاسيكية، تبتدئ من الاتصال الشخصي أي Interpersonal Communication أي الاتصال بين البشر وغير البشر والذي لا يحتاج لأي نوع من التكنولوجيا من أجل قيامه.
ويمكن لكل طرف في الاتصال الشخصي أن ين يملك درجة متساوية في السيطرة على المادة أو المحتوى الذي يدور في الفضاء المشترك بين الطرفين.

وتكون في المحتوى والمادة المشتركة حالة من الفردية التي تتحصّل من خلال كل طرف على حدى وسعيه لتحقيق احتياجاته ومصالحه كما المنافع والأضرار تكون بصيغة متساوية بين الطرفين معا أيضا شأنها شأن جميع المكونات الأخرى.

ويستخدم الاتصال الشخصي في نماذج تطبيقات الاتصال التي تتم بين شخصين فقط كما هو شأن الهواتف التقليدية القديمة أو الكتابات المتبادلة ويطلق على هذا النوع عدد من الخبراء الاتصال من نقطة إلى أخرى أو فرد إلى أخر.

أما النموذج الثاني في الاتصال فهو الاتصال الجماهيري أو الجمعي وهو أيضا مفهوم تقليدي بسيط ظهر في وقت سابق مع قادة المجتمعات القديمة والملوك والزعماء وساهمت التكنولوجيا في تطوريه بشكل كبير طغى على وسائل الاتصال الشخصي بفعل خاصية التعدد والوفرة وسهولة التعاطي.

وكان الاتصال الجمعي يمر عبر وسائله التقليدية والقديمة مثل الإذاعة والتليفزيون والسينما وما يشابه ذلك، حيث يتم انطلاق الاتصال من نقطة أو فرد نحو مجموعة من النقط أو الأفراد، وهذا يتمثل أيضا في الجرائد والكتب والروايات التي يكتبها الكاتب أو الناشر وتنطلق لتصل إلى من يمكن تسميتهم المتلقين أو القراء أو المستمعين.

ويتميز الاتصال الجمعي بكون صاحب الإرسال هو من يستطيع التحكم في الرسالة التي يبغي توجيهها إلى الجمهور ولا يمكن للطرف الثاني التحكم في محتواها أو تغييره إلا من خلال وسائل خارجية لا علاقة لها بعملية الاتصال.
وفي مفهومه الشامل للإعلام الجديد يرى فين كروسبي بأن هذا النوع من الإعلام يمتاز بأنه يمكن عبره للرسائل الفردية أن تصل في وقت واحد إلى عدد غير محدود من البشر عكس وسائل الاتصال الشخصي التقليدية وأنه أيضا بإمكان كل فرد من هؤلاء السيطرة والتحكم في التبادل الذي يتم عبر عملية الاتصال عكس الاتصال الجمعي.

نظرية جون بافلك

يربط جون بافلك “Jphn Pavlik” بين مشهد تكنولوجيات الإعلام الجديد وسرعة تطورها، معتبرا أنا تحدث تغييرا راديكاليا في أي شيء يتعلّق بالطريقة التي نتواصل بها والأفراد الذين نتواصل معهم.

وتغيّر هذه التكنولوجيات دائما حسب بافليك أوجه الحياة التي نعيشها من بناء الشخصيات إلى خلق المصادر المالية والرعاية الصحية وغير ذلك. ولا يمكن فهم الإعلام الجديد لدى بافليم إلا من خلال خمسة مكونات أساسية هي :

• أجهزة تحصيل المعلومات ويشترط الباحث أن تكون أجهزة رقمية ومتصلة في بعضها البعض عن طريق الشبكة العنكبوتية وقادرة على نقل الصوت والصورة وتحويلها بشكل فوري وبفاعلية عالية لا تؤثر على تفاصيلها.
• تقنيات معالجة المعلومات وهي التكنولوجيات التي يجري الاعتماد عليها من أجل المعالجة والإنتاج وتشمل جميع التطبيقات الخاصة بالصورة والصوت والضوء وهي القادرة بشكل كبير على حل جميع المشاكل وتجميع اكبر عدد من المعلومات ومعالجتها.

• نظام التوزيع وهو الوسيلة التي يتم استعمالها في بث أو نشر المحتوى ويفترض أن تكون من التقنيات الحديثة القابلة للربط مع الشبكة العنكبوتية.

• أجهزة التمكين من المعلومات وهي الأجهزة المزودة بشاشات العرض الرقمي مما يمكن لمستخدم من الوصول إلى المعلومة التي رغب في الحصول عليها عبر عرضها في أشكال مختلفة إما نص أو فيديو أو صورة.

• نظام التخزين ويعتبره بافلك المرحلة الثانية من تمثيل الإعلام الجديد مشيرا الى أن التكنولوجيات الحديثة مكّنت من تطوير أدوات ومعدات توظف لاستضافة المعلومات في انساق الكترونية.

ويمكن القول بأن الإعلام الجديد يتأطر بعدد كبير من النظريات التي تكتسي كل واحدة منها أهميتها في تطوّر مفهوم الإعلام الجديد، هذا الأخير الذي لازال كمفهوم يخضع لتدقيق وتمحيص كبيرين من باحثين وخبراء في المجال في محاولة لفهم مكوناته ووسائل اشتغال وخاصياته المتعدّدة.

 

أسامة بوكرين

باحث في مجال الإعلام

اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.