استغلال التوجيهات الملكية: هل يوظف وزير الأوقاف إمارة المؤمنين لتطويع الزوايا الصوفية؟

خلية التحرير الخميس 21 أغسطس 2025 - 18:35

أش واقع تيفي / محمد أبوخصيب يكتب

تثير الأزمة الراهنة في الزاوية القادرية البودشيشية تساؤلات عميقة حول طبيعة التدخل الإداري في الشأن الصوفي، وما إذا كانت بعض الأطراف تستغل التوجيهات الملكية السامية والمرجعية المقدسة لإمارة المؤمنين من أجل تحقيق أغراض تتناقض مع الرؤية الحكيمة لصاحب الجلالة الملك محمد السادس نصره الله فبينما وضع جلالة الملك منذ خطابه التاريخي بتطوان في 8 أبريل 2004 حجر الأساس لسياسة إعادة هيكلة الحقل الديني بهدف تكريس النموذج الديني المغربي المتسامح والمتماهي مع روح الحداثة، تُطرح اليوم علامات استفهام حول ما إذا كانت هذه الرؤية المتبصرة تترجم بأمانة على أرض الواقع أم أنها تخضع لتأويلات إدارية قد تفرغها من جوهرها الروحي والمعرفي.

وتشير مجموعة من المصادر في الأوساط الصوفية إلى أن الوزير أحمد التوفيق، قد يكون وظف المرجعية المقدسة لإمارة المؤمنين كغطاء لممارسة ضغوط على مقدمي الزوايا وتوجيههم نحو خيارات قد لا تتماشى مع التقاليد الروحية العريقة لهذه المؤسسات. هذا التوظيف، إن صح، يُعتبر انحرافاً خطيراً عن الرؤية الملكية الحكيمة التي تقوم على احترام خصوصيات الطرق الصوفية وحفظ توازناتها الداخلية. إن استخدام اسم أمير المؤمنين لتمرير أجندات إدارية ضيقة يعد تجاوزاً لا يمكن السكوت عنه، خاصة عندما يمس جوهر المؤسسات الروحية التي تعتبر ركائز أساسية في النسيج الديني المغربي.

ويبدو أن هناك توجهاً خفياً لدفع بعض الزوايا، ومنها البودشيشية، نحو التركيز على الجوانب الفولكلورية كالسماع والطقوس الظاهرية على حساب البعد المعرفي والروحاني الذي يشكل جوهر هذه المؤسسات العريقة. هذا التوجه، الذي قد يقدم تحت يافطة “التحديث” أو “التكييف مع العصر”، يخفي في الواقع محاولة منهجية لإفراغ الزوايا من عمقها الروحي وتحويلها إلى مجرد عروض فنية ترضي السياح وتقدم صورة سطحية عن التصوف المغربي. إن هذا التوجه يتناقض جذرياً مع التراث العريق الذي أسسه عظماء العرفان كعبد السلام بن مشيش وأبي عباس السبتي وسليمان الجزولي، والذي يقوم على التربية الروحية العميقة والسلوك المعرفي الأصيل.

في هذا السياق، تبرز شخصية الدكتور مولاي منير القادري بودشيش كحارس أمين للتراث الروحي الأصيل تحت توجيهات صاحب الجلالة امير المؤمنين، ومدافع شرس عن الهوية المعرفية للزاوية التي ورثها عن أسلافه العظام.

إن تمسك سيدي منير بالوصية الشرعية وإصراره على الحفاظ على البعد العرفاني العميق للطريقة البودشيشية يُعتبر موقفاً مبدئياً يستحق التقدير والاحترام. فهو لا يدافع فقط عن حقه الشرعي في المشيخة، بل يدافع عن منظومة قيم روحية ومعرفية تشكل عماد الهوية الصوفية المغربية. إن محاولات تهميشه أو إقصائه تعتبر في الحقيقة محاولات لاقتلاع جذور الأصالة الروحية وتحويل الزاوية إلى مجرد مؤسسة فولكلورية تفتقر للعمق والتأثير الحقيقي.

تكشف هذه الأزمة عن استراتيجية أوسع قد تهدف إلى صناعة جيل جديد من الفاعلين الدينيين المطواعين، الذين يمكن توجيههم وفق الرؤى الإدارية الضيقة بدلا من التقاليد الروحية الأصيلة. هذه الاستراتيجية، إن كانت موجودة فعلاً، تسعى إلى بسط النفوذ الإداري على الحقل الديني وتحويل المؤسسات الروحية إلى أدوات في يد البيروقراطية الحكومية. إن الدفع بشخصيات قد تكون أقل تأهيلا روحيا ومعرفيا، ولكنها أكثر انصياعا للتوجيهات الإدارية، يعتبر تدميرا منهجيا للنسيج الصوفي المغربي وخيانة للأمانة الروحية التي حملتها الأجيال المتعاقبة من العارفين والأولياء.

إن هذه الممارسات، إن ثبت وجودها، تتناقض تماما مع الرؤية الحكيمة والمتبصرة لصاحب الجلالة الملك محمد السادس نصره الله، الذي أظهر على مدى عقدين ونيف من الحكم الرشيد التزاما راسخا بالحفاظ على التوازنات الدقيقة في الحقل الديني واحترام خصوصيات المؤسسات الروحية العريقة. فجلالة الملك، بصفته أمير المؤمنين والإمام الأعظم، وضع إطارا واضحا لسياسة دينية متوازنة تجمع بين الأصالة والمعاصرة، وتحترم التنوع الروحي دون المساس بوحدة المرجعية الدينية. إن أي تلاعب أو استغلال لهذه المرجعية المقدسة من قبل بعض المسؤولين الإداريين يعتبر خروجا عن التوجيهات الملكية السامية وانتهاكا لثقة أمير المؤمنين.

تتطلب هذه المرحلة الحرجة عودة صادقة إلى الرؤية الملكية الأصيلة التي تقوم على احترام الخصوصيات الروحية وحماية المؤسسات الصوفية من التدخلات الإدارية المضرة. إن الحفاظ على النموذج الديني المغربي المتسامح والأصيل يتطلب وقف أي محاولة لتطويع المؤسسات الروحية أو إفراغها من مضمونها المعرفي العميق. كما يتطلب إعادة النظر في الممارسات الإدارية التي قد تتسبب في تدمير التراث الصوفي المغربي تحت أي مبرر كان. إن التاريخ، كما علمنا، لن يرحم أولئك الذين يساهمون في تدمير هذا التراث العريق، بل سيحاسبهم بشدة على خيانتهم للأمانة الروحية والحضارية التي حملها المغرب عبر القرون كمنارة للعلم والتصوف والاعتدال في العالم الإسلامي.

تابعوا آخر الأخبار من أش واقع على Google News تابعوا آخر الأخبار من أش واقع على WhatsApp تابعوا آخر الأخبار من أش واقع على Telegram

أضف تعليقك

1000 / 1000 (عدد الأحرف المتبقية)

من شروط النشر : عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الإلهية، والابتعاد عن التحريض العنصري والشتائم.

تعليقات

0

مقالات ذات صلة

الثلاثاء 19 أغسطس 2025 - 15:45

إفراغ الزوايا من هويتها: هل تفتح أزمة البودشيشية الباب أمام عودة التطرف والأيديولوجيا الياسينية؟

الإثنين 18 أغسطس 2025 - 19:54

التصوف العرفاني في المغرب تحت الحصار: بين استهداف الوصية الشرعية وتعزيز النمط التبريكي

حين ترسم السماء خريطة الوطن: الغيوم توحد المغرب من طنجة إلى الكويرة
الخميس 17 أبريل 2025 - 22:39

حين ترسم السماء خريطة الوطن: الغيوم توحد المغرب من طنجة إلى الكويرة

في قلب العاصفة: قراءة في ديناميكيات إقليمية متصاعدة وتداعياتها
الخميس 10 أبريل 2025 - 14:42

في قلب العاصفة: قراءة في ديناميكيات إقليمية متصاعدة وتداعياتها