اش واقع
بينما كان المغاربة ينتظرون من حكومة عزيز أخنوش حلولاً مبتكرة وواقعية لأزمة ارتفاع أسعار اللحوم، فُوجئ الرأي العام بفضيحة مدوية تتعلق بما بات يعرف بملف “دعم الفراقشية الكبار”. بدل أن يتجه الدعم إلى المواطن المستهلك أو الفلاح الصغير، اختارت الحكومة صبّ المال العام في جيوب لوبيات استيراد الأغنام، في عملية اتسمت بالضبابية، غياب الشفافية، وافتقار تام للعدالة الاجتماعية.
في عز أزمة غلاء غير مسبوقة، رُصدت ملايين الدراهم من أموال دافعي الضرائب لدعم عملية استيراد رؤوس الأغنام، على أساس أن ذلك سيُسهم في خفض الأسعار. غير أن الحقيقة على الأرض جاءت معاكسة: الأسعار لم تنخفض، واللحوم الحمراء بقيت بعيدة المنال عن القدرة الشرائية للأسر المغربية. هنا يُطرح السؤال الجوهري: من استفاد فعلاً من هذا الدعم؟
الجواب تجده في كواليس ما أصبح يُعرف بـ”الفراقشية الكبار”، وهم عدد محدود من كبار المستوردين الذين استأثروا بنصيب الأسد من الدعم العمومي، في ظل غياب آلية واضحة لتتبع مسار الأغنام المستوردة، من الميناء إلى المجازر، وصولاً إلى الأسواق. والغريب أن بعض هؤلاء المستفيدين من الدعم الحكومي معروفون بقربهم من مراكز القرار، ما يجعل الأمر أشبه بإعادة إنتاج نمط من “الرأسمالية الزبونية” التي كان يُفترض أن تكون من مخلفات الماضي.
إن إصرار الحكومة على التعامل مع ملف الأمن الغذائي من منطلق تجاري صرف، دون رؤية اجتماعية شاملة، يُعبّر عن غياب تصور استراتيجي حقيقي. فبدل أن تستثمر في دعم الإنتاج المحلي، وتأهيل الكسابة الصغار، وتطوير سلسلة القيم في قطاع اللحوم، فضّلت حكومة أخنوش المقاربة السهلة: الاستيراد، حتى وإن كان الثمن هو مزيد من التبعية وهدر المال العام.
المثير للقلق أكثر هو صمت المؤسسات الرقابية، وضعف المساءلة السياسية في البرلمان، حيث لم نرَ محاسبة فعلية ولا تقارير تشرح للرأي العام كيف صُرفت هذه الأموال، ومن استفاد منها، وهل تحققت الأهداف المُعلنة.
أمام هذا الوضع، بات من الضروري أن تُفتح تحقيقات مستقلة وجدية في هذا الملف، وأن تتم مراجعة شاملة لسياسات الدعم، بما يضمن استفادة حقيقية للمواطن، لا تكريساً لريع اقتصادي يستفيد منه القلّة على حساب الأغلبية.
فالمغرب بحاجة إلى حكومة تُحسن التدبير وتتحمل المسؤولية، لا إلى حكومة تُغذّي الشك وتُكرّس الفوارق. وملف “الفراقشية الكبار” سيظل وصمة في جبين هذه الولاية، ما لم يُفتح فيه باب الحقيقة والمحاسبة.