تنبني سنن الكون والوجود على فكرة التطور ورفض الجمود والتقوقع، سواء في الأفكار أو العلوم أو حتى الأنظمة والمجتمعات، وقد شهد الفكر اليساري الذي تطور انطلاقا من المجتمع المغربي عدة محطات ومنعطفات منذ الإستقلال مع الأحزاب الوطنية خاصة، مرورا باليسار الجديد لشباب السبعينات، وليس انتهاء بيسار مابعد الحرب الباردة..
لكن الملاحظ هو أن اليسار مابعد سقوط جدار برلين بقي جامدا في نظريات وأفكار تم تجاوزها كالصراع الطبقي وجعل الإقتصاد محددا أساسيا في تطور المجتمعات واعتبار الإمبريالية العدو الأساسي أي أن العامل الخارجي هو سبب أزماتنا إلخ..
هذا التقوقع والإنكفاء على الذات بالنسبة لليساريين مرده إلى الكسل في مراجعة وتطوير الأفكار، وكذلك إلى كون أغلب المناضلين اليساريين في الأحزاب وحتى اليوم عاشوا فترة السبعينات حيث المد الماركسي وتحرر الشعوب من الإستعمار وبناء الدولة الحديثة، ولم يتلقح هذا الجيل مع جيل الشباب الصاعد لظروف موضوعية متعلقة بالقمع والملاحقات الأمنية وكذلك لعزوف الشباب عن ممارسة السياسة لما فيها من صراعات وصدامات كان اليسار يعتبرها ركنا أساسيا للنضال.
والمحصلة هي بقاء اليسار منكفئا على جيل هرم الآن وبقي يجتر تلك الأفكار القديمة دون أن يتجدد، والأدهى أنه لا يفتح قنوات للتواصل مع الشباب أويستمع لرأيه وأفكاره لأنه يعتبر أي خروج عن الأفكار التي آمن بها زمنئذ هو خيانة للمبادئ والشهداء وكأنهم يمتلكون الحقيقة التي لا يأتيها الباطل.
وعليه صار اليسار الآن للأسف يفسر انتكاساته الإنتخابية بكون الشعب لم يفهم بعد أفكار ورسالة اليسار وسقطوا في الإنتظارية والترقب حتى يعي الشعب أهداف مشروعهم وبرنامجهم، ويتجاهلون أن لغة العصر التي تتحدثها الشعوب الآن هي لغة الديمقراطية والحرية والكرامة، وليس الإمبريالية والصراع الطبقي وغيرها من الشعارات التي كان لها وقعها وتأثيرها ومبرراتها أثناء تحرر الشعوب من نير الإستعمار.
فهل يعي اليسار وخاصة الشباب منهم متطلبات المرحلة ويعملوا من أجل تأطير المجتمع وتخليصه من الإستبداد والقمع والفساد؟؟
إدريس المرابطي
التعليقات مغلقة.