اش واقع – أسامة بوكرين
وجلَسنا على الطاوِلة نحتسي قليلاً من النبيذ الأبيضِ المعتّق وندخّن لفائِف الحشيش القادِمة من عُمقِ الحياة بهذا الوطنِ العزيز، لكلٍ منا قصةٌ يحمِل مآساتها وخيبَتها بين الكؤوس، ولكنٍ منا إحساسٌ لا يظهَر إلا في سحناتِ العيون.
تسامَرنا بين أضلِع أكوابِ الخمرِ ودخّان الحشيش، تهامَسنا بقليلٍ من الكلام في أحيانٍ وصِحنا بأصواتٍ عالية في أحيانٍ أخرى، كان دِفئُ الشعور يغمرُنا ويمنَعنا عن مغادرَةِ ما يدور في الطاوِلة.. يجاوِرني كريستوف، وهو ألماني خبِر المغرب في خمسِ سنواتٍ كان يقضيها متنقلاً بين مُدِن المغرب ومنزِله ببرلين، رشيقٌ وجميل، يحبّ الحديث في كل شيء، يضفي على الليلَة طابعاً فكاهياً ومرِحاً دائما.. كان صديقاً مقرباً مني، لكني أخشى إفراطَه في حبِّ الحياة.
أخافُ أنا من أن أحِب الحياة، لأنها دائماً ما كانت تخذِلني، لكن كريستوف كان عكسي، لا يعيرها أي اهتمام، يمزَح دائماً، ويغلّب حِسه الفكاهي على أي مصيبة تصيبُه.. كان ونيساً رائعاً لشِلّتنا كامِلة، ولن أخفيكم أنني كنتُ أحِب مجالسته لكني أخافها كَي لا أُدفَع من جديد للتشبث بالحياة.
علاقتي بِه لَم تبدأ اليوم لكننا التقَينا قبل سنتين أو أكثَر في حانَة بقلبِ الرباط، كانَ يحوم باحثاً عن شخصٍ يترجِم للنادِل طلبه باللغة الألمانية، شعَرتُ بأن الأمر يعنيني وخُضت في حوارِهما مقاطعاً بالألمانية “ما الذي تريدُ أكلَه ؟” أجابني مندهشاً من وجودٍ شابٍ عشريني يجيد الألماني في حانة رثّة بقلبِ العاصمة، نقلتُ طلبَه للنادِل الذي كان فرحاً كمن وجَد شخصاً ليُخرِجه من الورطة، طلَبني أن نتشارَك الطاولة، تشاركناها، شربنا حتى الثمالة، وغادَر كلٌ منا إلى حين سبيله بعد أن تبادلنا الأرقام على الواتساب.. كان دائماً ما يدعوني إلى مشاركَةِ لياليه الماجِنة مع فتيات طنجة ومراكش والصويرة، وكنت دائماً ما أجِد له عذراً كي لا أنغمِس من جديد في حياة الليل.
توطّدت علاقتي بكريستوف وسِرناً أصدقاءً نلتقي في النهار كي نحتسي كأساً أو نوسّع دائرة أصدقائنا المشتركين بوجبة عشاءٍ أو غذاء في مطعَم.. وهكذا أضحينا شلّة تتكوّن من ستة أشخاص، كريستوف، سلمى، ياسين، ماريا، وبلال، وأنا.
لقَد جمِعنا حبّ الرواية، النبيذ، الأماكِن المنسية، والاختفاء عن الأعيُن التي ترانا، هكذا كنا نجتمع كل مساء بعد انتهاءِ العَمل في شقةٍ اخترنا كراءَها بعيداً عن صخَبِ القنيطرة.. ننزوِي إلى حالِنا هناك، نُناقِش ما يدور في العالَم المحيط بِنا، ونسخَر من ذواتِنا ونغوص في عوالِم لا يلائمها سوى أن المرء ثمِلٌ من الحياة.
اجتمعنا كما هو محدّد في كل يوم بعد الساعة السادِسة مساءً، وصلتُ قبل الموعِد بساعتين، كنت أحتاجُ إلى قليلٍ من الراحة كي أستجمِع ما تبقى من قوّتي لمواجَهة نقاشِ الليلة ونبيذها ودخّان الحشيش، هكذا كانت تسيرُ الأيام معي كالعادَة.. أنُطّ في سيارة أجرة بعد انتهائي من العمل وأتوجّه إلى بيتنا السحري، أغيّر ملابِسي وأغفوا قليلاً.. وأفتح عينَي بعد ذلِك على دلالِ ماريا وهي تقبّلني في جبيني دائما داعيةً إياي للاستيقاظ “ويك آپْ بيبي” بغنجٍ غير مسبوق وكأنها من نِساءِ الضفة الأخرى وهي التي جاءَت من جِبال الأطلَس المتوسِط لتقطُن “عاصِمة اللقلاق” ورفضَت أن تعود إلى هناك بعد أن أنكَرت جذورها بشكلٍ قاِطِع.
قصة ماريا غريبة قليلاً، كانت فتاةً محبّة للدراسة، وناجِحة جداً فيها، أكملت دراستها الابتدائية والإعدادية والثانوية بالقرية حيث ازدادَت، والتي لا نعرِف عنها شيئاً غير أنها بجبالِ الأطلس، وغادَرت منذ ذلِك الحين قريتَها وهجَرت منزِل جدّها حيث تربّت، وكانَت دائماً ما ترفُض الحديث عن سبب عدمِ عودتها إلى هناك واختيارها حياةَ المدينة على قسوتِها في البدايات، درَست الهَندسة ولَم تُفلِح في الموازاةِ بينها وبين عملِها كمسؤولة عن المبيعات في محلٍ لأحد باعة الجْملَة في الدار البيضاء.. تحكي عنه ماريا رغبَته المجنونة في ممارسَة الجِنس عليها وافتضاض بكارَتِها منذ اليوم الأول الذي سألَته فُرصَة العمَلِ تِلك، كان ينتشي عليها من بعيد، ويُمارِس العادة السرية على فيديوهات يأخذُها من كاميرا المحَل وهي تمشي هنا وهناك، اكتَشفت الأمر مِن اليوم الأول لكنها كانت في حاجَة إلى العمل كي تكسِب المال.. أما هو فقد كان صريحاً، وأخبرَها عن رغباتِه المجنونة، لكنها دائماً ما كانت تمتنِع بذكاءٍ ودهاء، وتكتفي بمغازَلتِه وتسليمِه ما لَم يحرِّمهُ الشرع حسب رأيها..
لَم يتوقّف ما كان يدور بينهما من جِنسٍ سطحي ترفُض معه السماح لهُ بأخذِ شرفِها إلا عِندما حاول في ليلةٍ ممارسة الجنس عليها بالقوة، رفضَت وهربت، وهي التي كانت حينها قد سلّمت بأنها ستقضي سنة بيضاء بعد أن عجزت عن مواكَبة دراسة الهندسة وأدركَت أنها ستنتظِر سنة كامِلة لكي تعود لحجرات الدراسة في تخصّص أخر..
ارتمَت ماريا من هنا إلى هناك، من غولِ الدار البيضاء إلى جحيم أكادير قبلَ أن يستقِر بها الحال في القنيطرة حيث أكملت دراستها وحصلت على ماستر في الاقتصاد.
وبعد أن سألتها يوماً عن كيف كانت تتكلّف بمصاريف دراستِها هنا ؟ أخبرتنا أنها وجدت حيلة طاغية طيلة السنوات الخمس التي قضتها بالجامعة، كانت التعيسة تُعطي مجهوداً أكبر في الدراسة وتستبِق مقرّرات قِسمها ثمّ تقوم بمُذاكرة تلك الدروس مع زملائها في القسم مقابل مبالِغ مالية هزيلة كانَت تكفيها لدفعِ مقابِل كراء شقّة بمنطقة “لاهاي” قُرب الجامعة وتوفير مأكلِها ومشربِها المتواضِع جداً..
لَم تنطلي يوماً علي هاتِه الكِذبة، ولَم أصدق يوماً أن ماريا عاشت لسنوات بتلك المبالغ الهزيدة التي كانَت تخبِرنا عنها، لا بد أن لها سراً لا يعرِفه أحد غيرَها، وهذا واضح، فقد كانت سيّدة حسنٍ جميلة، كمَن محَت سِمات أيام الفقرِ عن وجهها بشكل تام.. نعَم أصبح اليوم ماريا مُحاسبة في شرِكة دولية تشتغِل ساعاتٍ قليلة مقابِل أجرٍ ضخم، لكن تعاسَة الأيام “المَقحوطَة” لا يمكن أبداً أن تغطّيها صولاتُ وجَولاتُ المينيكير والبّيديكير والحمّامات الساخِنة التي أصبحت تأخذها ثلاث مرّات في الأسبوع على الأقل.
أيقَظتني مرّة أخرى، كانُت مشاعرنا متلخبِطة، أحياناً أرى بأنها معجبَة بي، تحاوِل إغوائي حينما تنتشي بالحشيش والنبيذ، لكنها سرعانَ ما تنتفِض لوحدِها كمَن سكنَه جنٌ مارِد وتقول لي “بعّد مني شوية كحَز لهيه” أو تقوم بالأمرِ وحدَها وتبتعِدُ عن جانبي كَي لا نقَع في المحظور حسب قولِها.. لقد جرّبنا يوماً أن نمارِس الجِنس، وأخبرتني أنها لازالَت بِكراً، احترمتُ كذِبها، ووافقت عليه رغبةً مني في لعقِ نهدَيها لا أقلّ ولا أكثر وما إن شرعنا في ممارَسة الحب حتى اكشفت بأنها لا هيَ بِكر ولا أنا أعرِف شيئاً عن الجِنس.
كانَت خبيرة جداً، تجيد القيام بِكل ما قد يشتهيهِ رجل، شعرت بدهشَة البدايات، ولكنني سرعان ما فطِنتُ بأنها صالَت فيما يوجَد بعقلي فآستجمَعت قوّتي الذهنية وسايَرتُها مهارَةً وفناً، لعَقت أطرافها بقوة، وكانت تتآوّهُ لذّةً، كما سبرت أغوارَ شهوتِها بكلِ الحِيلِ المُتاحة حتى ظننتُ أنها فقدت الوعي.. كانت ليلَة رائعة وكنا معاً ثمالى، تمنّينا لَو لَم تنتهي تِلك الدقائق والساعات، وفي لحظةِ عُنفوانٍ أطفأتِ فيها الشهوة عقولَنا قُمنا ومارَسنا الجِنس فوقَ آلة التصبين الموجودة في الحمام، مارسناهُ بعنفٍ حتى خِلنا أنفسنا وحَدنا في هذا العالم..
يُتبَع..
التعليقات مغلقة.