ما معنى أن تكون صحفيًا؟

محمد ماكري الجمعة 28 مارس 2025 - 20:05

محمد ماكري / مدير نشر جريدة أش واقع

أن تكون صحفيًا يعني أنك اخترت واحدة من أكثر المهن إثارة للجدل، حيث تجد نفسك في مواجهة انقسام حاد بين الناس: هناك من يكرهك لأن رأيك لا ينسجم مع قناعاته، وآخر غير مكترث يتعجب من اهتمامك الدائم بملاحقة القضايا، وبينهما محب سلبي، كأنه يقول لك: “إن حضرت فأهلًا، وإن غبت فلا أحد يفتقدك”.
الصحافة مهنة فريدة ومثيرة، تجذب من يمارسها حتى تصبح جزءًا من كيانه، لكنها في المقابل مرهقة على الصعيدين النفسي والجسدي. فالصحفي هو من يبحث عنه الجميع، مطالبينه بتبني قضاياهم والدفاع عنها، وعند كل حدث جديد يتردد السؤال المعتاد: “أين الإعلام؟”، رغم أن هذه القضايا في الغالب شائكة وخطيرة، يتصدى لها الصحفيون والكتّاب نيابة عن مجتمعاتهم وأوطانهم.
انطلاقًا من هذا المفهوم، لا يُطلب من الصحافي أن يكون محسوبًا على اليسار أو اليمين أو أي توجه أيديولوجي معين، بل المطلوب منه فقط أن يكون نزيهًا، يمارس مهنته بحرية واستقلالية واحترافية. فالصحافي ليس ناشطًا ملتزمًا يهتف في المؤتمرات الحزبية أو يدعم تنظيمات تنشغل بالصراع السياسي مع الأنظمة، لأن الصحافة مهنة، بينما النضال مسار مختلف تمامًا. ومع ذلك، هناك من لا يرغب في استيعاب هذه الحقيقة رغم وضوحها وقوتها.
أن تكون صحفيًا يعني أنك اخترت واحدة من أقل المهن حظًا وأضعفها دخلًا في العالم العربي، باستثناء قلة حالفها الحظ بدخل مرتفع لظروف معينة. والمفارقة الأكثر وضوحًا تكمن في مقارنة صحفي أفنى عقودًا من عمره في هذه المهنة، بشخص لم يمضِ سوى سنتين في عالم الشهرة مدعيًا أنه إعلامي، ومع ذلك كوّن ثروة تقدر بعشرات الملايين.
ومن يزعم أن الصحفي لا يحق له السعي وراء دخل مالي مجزٍ، عليه أن يتخلى عن وظيفته وماله أولًا، فالجميع يعمل لكسب رزق حلال، والصحافة ليست استثناءً من هذه القاعدة.
كونك صحفيًا وكاتبًا ستدرك مع مرور الوقت أن جودة ما تكتبه وروعة جهودك على مدار السنوات ليست بالضرورة ما يحدد قيمتك في نظر الآخرين. فهناك معايير أخرى، ربما لم تنتبه لها أثناء انشغالك بصياغة مقال جيد، أو بالدفاع عن قضية وطنية، أو بكشف خبايا عدو يسعى للنيل من وطنك وشعبك.
ستكتشف أن تلك المعايير تختلف كثيرًا عما كنت تتصوره في البداية، وأن التقدير الذي كنت تتوقعه عند دخولك المهنة شابًا قد يكون أقل بكثير مما كنت تأمل، لأن الصحافة ليست مجرد مهنة، بل اختبار مستمر للواقع وللأولويات التي تحكمه.

 

تابعوا آخر الأخبار من أش واقع على Google News تابعوا آخر الأخبار من أش واقع على WhatsApp تابعوا آخر الأخبار من أش واقع على Telegram

مقالات ذات صلة

الجمعة 6 ديسمبر 2024 - 21:09

ما قبل “بطاقة الملاعب” وما بعدها

الثلاثاء 7 مايو 2024 - 17:17

مقدّمة مايسة سلامة الناجي

الثلاثاء 19 مارس 2024 - 03:38

هل اصبح “الكلاش” من أركان الصيام ؟؟؟

الإثنين 1 يناير 2024 - 19:23

أموال الحشيش تترعرع