بالرجوع لموضوع مشروع القانون المنظم للمجلس الوطني لحقوق الانسان و رغم أن لجنة العدل و التشريع صوتت بالإجماع على النص فإن النقاش انصب حول تعديلين اثنين الاول يتعلق بالمادة 4 و موضوعها إعطاء الحكومة و مجلسي البرلمان إمكانية طلب الرأي في القضايا المتعلقة بحماية حقوق الانسان، والمادة 35 المتعلقة بالعضوية في المجلس، والتي أثارت الكثير من الجدل. و قد استندت فرق الاغلبية على المرتكزات التالية للدفاع عن موقفها:
فيما يتعلق بالمادة 35 فلا شيء يمنع من عضوية البرلمانيين في المؤسسات الوطنية، بحيث تنص مبادئ باريس على عضوية البرلمان ضمن تشكيلة المجالس الوطنية و ذلك في البند “د” في المحور المتعلق ب” التشكيل وضمانات الاستقلال والتعددية” ، في حين تنص في البند” هـ “على أن الإدارات الحكومية (وفي حالة انضمامها لا يشترك ممثلوها في المداولات إلا بصفة استشارية)،
من المبررات التي يسوقها الرافضون لهذا التعديل، هو أن المغرب سيعرض نفسه لإمكانية تخفيض درجة الاعتماد من الدرجة ” أ” إلى الدرجة ” ب” من طرف اللجنة الفرعية لاعتماد المؤسسات الوطنية..وهذا غير دقيق على الإطلاق، لأنه من خلال الممارسة العملية نقف على عدد من المؤسسات الوطنية التي تم اعتمادها في الدرجة “أ” أو إعادة آعتمادها في هذه الدرجة مع العلم أن تركيبتها تتضمن برلمانيين، وهذه حالة كل من : ألمانيا ،فرنسا، الاردن، قطر وغيرها، لأن الاعتماد في النهاية في هذه الدرجة أو تلك ما هو سوى فحص مدى الامتثال لمبادئ باريس، دون أن ننسى أن المجلس الوطني لحقوق الانسان في وضعيته الحالية، قد تم إعادة اعتماده في نفس الدرجة من طرف اللجنة الفرعية لاعتماد المؤسسات الوطنية سنة 2015 ولَم تثر اللجنة أي ملاحظة بخصوص تواجد البرلمانيين ضمن عضويته بالرغم من تواجدهم ضمن أعضائه حاليا، إذ ينص الظهير المنظم للمجلس الحالي على تواجد برلمانيين ضمن تشكيلته؛ هذا مع ما يمكن تسجيله من أنه لم يسبق للجنة الاعتماد أن خفضت درجة اعتماد مؤسسة وطنية بسبب تواجد برلمانيين ضمن تشكيلتها.
3 . من المؤسف أن يروج البعض لمغالطات غير بريئة، من قبيل أن سبب خفض اعتماد بعض المؤسسات الوطنية لدرجة “ب” يتم بسبب تواجد برلمانيين في تشكيلتها، من قبيل موريتانيا..لكن بالرجوع إلى دراسة تقارير لجنة الاعتماد منذ 2013 إلى حدود آخر تقرير لها في نونبر 2017، نجد أن السبب الرئيسي لعدم الاعتماد يتعلق أساسا بمحدودية ولاية هذه المؤسسات و عدم شفافية مسطرة اختيار العضوية بهذه المؤسسات، إضافة إلى ضعف الضمانات الممنوحة لرؤساء و أعضاء هذه المؤسسات من العزل ، وعدم التفاعل مع المجتمع الدولي ومع المجتمع المدني ، وضعف التفاعل مع الانتهاكات و عدم إصدار التقارير في الوقت المناسب …، أما بالنسبة للحالة الموريتانية التي تم خفض اعتمادها إلى درجة “ب” في نونبر 2017، فقد انصبت الملاحظات أساسا على جوهر عمل المؤسسة وتم تعليل خفض الاعتماد إلى الأسباب التالية: – عدم قيامها بأي زيارة لمراكز الإعتقال منذ سنة 2012 و إصدارها لبيان بتأييد حكم بالإعدام ضد أحد المرتدين عن الدين الاسلامي أصدرته إحدى المحاكم في موريتانيا…
وعلى عكس ما يتم الترويج له، فإن تعديلات الاغلبية البرلمانية في لجنة العدل والتشريع بمجلس النواب عملت على تقليص تأثير السياسي في تركيبة المجلس، إذ أن المشروع اقترح أن يتم تعيين 8 جمعيات مناصفة من طرف رئيسي البرلمان، فاقترحنا أن يرفع العدد إلى 10 وأن يعهد باقتراح الجمعيات للجنة مستقلة مكونة من رئيس المجلس الأعلى للحسابات و الرئيس المنتدب للسلطة القضائية و الكاتب العام للمجلس العلمي الأعلى، وذلك فيه تقليص واضح من سلطة البرلمان في تعيين فعاليات المجتمع المدني..
إن الهاجس الرئيسي الذي تحكم في تعديلات الاغلبية كان هو الحرص على تنزيل مبادئ باريس فيما يتعلق بالاختصاصات و المسؤوليات و البرتوكول الاختياري للوقاية من التعذيب و المبادئ التوجيهية،و ذلك باقتراحها عدم معاقبة أي شخص أو منظمة بسبب القيام بتبليغ الآلية الوقائية بأي معلومات صحيحة كانت أم خاطئة، و ذلك لتشجيع المواطنين على التبليغ، وحماية لهم من أي نزعة انتقامية، كما اقترحنا تمتيع رئيس وأعضاء الآلية الوطنية بالحماية اللازمة من أجل القيام بالمهام الموكولة إليهم ضد أي تدخل أو ضغوطات قد يتعرضون لها، ولهذه الغاية لا يمكن اعتقالهم ولا التحقيق معهم ولا متابعتهم بسبب الاراء والتصرفات الصادرة عنهم بمناسبة مزاولتهم لمهامهم،…هذه فقط نماذج من تعديلات الاغلبية .
أما ما أثير من رغبة البرلمانيين في تعدد التعويضات فهو غير صحيح بالمرة، وهو تحريف للنقاش عن مساره الحقيقي وتضليل ممنهج للرأي العام، لأننا بكل بساطة اقترحنا تعديلا يتعلق بمنع تعدد التعويضات بالنسبة لمن يمثل مؤسسات معينة ويستفيد من تعويضاتها، وهو ما ينطبق على البرلمانيين. وفِي هذا السياق يجدر التذكير بالمرسوم المنظم لتعويضات أعضاء المجلس الأعلى للتربية والتكوين والذي استثنى البرلمانيين من إمكانية الاستفادة من التعويضات المخصصة لأعضاء المجلس.
وأخيرا من المبررات التي يقدمها البعض لرفض عضوية البرلمانيين في المؤسسات الوطنية، هو أن المغاربة صوتوا على البرلماني ليمثلهم في البرلمان و ليس للعمل في هيئات و مؤسسات أخرى، وهذا من المضحكات المبكيات، لأن البرلماني بصفته ممثلا للأمة، يمثل صوت الشعب في جميع المؤسسات التي تعنى ببلورة السياسات العمومية أو بتدبير أموال وثروات عمومية، ولذلك نجد البرلمان في المغرب حاضرا في عضوية المجلس الأعلى للتربية والتكوين والبحث العلمي والمجلس الاستشاري للأسرة والطفولة والهيئة المكلفة بالمناصفة ومحاربة جميع أشكال التمييز، بل إن البرلمان الفرنسي يكتسب العضوية في مجالس تدبيرية مثل la caisse de dépôt et consignations (CDC) التي توجد تحت رقابة لجنة للرقابة تضم في عضويتها 5 برلمانيين من مجلسي البرلمان، هذه المؤسسة التي توازي صندوق الإيداع والتدبير عندنا.
بثينة قروري: برلمانية /أستاذة جامعية
التعليقات مغلقة.