“لا أعرف على وجه التحديد من هو أفضل أعضاء حزبكم، لكني أعرف يقينا من هو رئيس حزبكم” يوسف بناش
انتشرت في المغرب مؤخرا ثقافة قاتلة اسمها “الانتظار”، والغريب في الأمر أنها انتشرت على مستويات عدة، هذه الثقافة أصبحت سائدة ودمرت كل الإمكانيات والقدرات، بل ألغت إمكانية الطموح والتجديد والإبداع، وأصبح الجميع ينتظر ما قد يأتي أو لا يأتي.
إن ظاهرة الانتظار التي عمت الساحة السياسية المغربية، باتت أكبر شيء يغتال الزمن والإرادات والمبادرات، وجعلت جميع النخب تدخل مرحلة جمود قاتل وانتظار المجهول، فما هي الأسباب؟ ومن المسؤول عن هذا الانتظار؟
تتعدد الأسباب الخارجة عن الذات التي تخلق الانتظار كظاهرة سلبية، لكن الأكثر خيبة هو حين يكون الانتظار قرارا ذاتيا، يتخذه البعض بدون عوامل خارجية، فيكرس هذه الثقافة فقط، لأنها تخدمه من حيث موقعه ومن حيث مصالحه، بل هناك من يساهم في نشرها وزرع الفراغ لكون نتائجه تخدمه، وتمنحه مساحة ومسافة زمنية في التحرك المصلحي الضيق، فيحول ذاته إلى بديل منتظر.
وفي المقابل، هناك من يفرض عليه الانتظار، فينهك ويحبط، ليقتله معنويا ونفسيا، ويقضي على كل ديناميكية فكرية أو إبداعية ممكنة، ليتحول الإحباط من سلوك فردي إلى ظاهرة جماعية، وهنا مكمن الخطر.
فالانتظار لا يقتل السياسة فحسب، بل يجمد المؤسسات، ويضعف الأحزاب، ويتحول إلى مجال مناسب لاستفادة الوصوليين والانتهازيين، وهو خطر ليس على المؤسسات، بل حتى على الأمم والشعوب، لأن الشعوب المكلسة التي تعيش الانتظار لا يمكنها أن تنتج، والتي لا تنتج تموت من كثرة الاستهلاك، بما في ذلك الاستهلاك الفكري الشعبوي، الذي يردد شعارات جوفاء بدون أفكار خلاقة.
إن أكبر مجال ينعكس عليه الانتظار، هو الشعور بالمواطنة الذي ينتقل من الحالة الإيجابية إلى حالة السخط والإحباط، والذي يذب وسط الآهات والأنفس العميقة، خاصة حينما يجد الإنسان نفسه في حالة انتظار بغير أجل، ليصاب بالإحباط، ثم ينمي شعورا بالسخط على كل شيء ويصدر أحكاما بالفشل على كل شيء.
إن الانتظار الذي يطبع الفاعل السياسي والأحزاب المغربية، هو حالة تعبير على عدم تحمل المسؤولية، وكذلك عدم القدرة على إدارة الملفات والقضايا الكبرى، ليتحول الانتظار من حالة مكبلة للنخبة السياسية إلى واقع مأساة بالنسبة إلى الشعب برمته.
فالانتظار مصدر للانهزامية واللامبالاة الجماعية، يُدخِل الجميع في حالة إحباط تتناقض والحس الوطني، وإذا عمت هذه الثقافة جيلا بكامله، فهذا الأخير لن يُرجى منه خيرا.
وأما الذين يصنعون حالة الانتظار، فهم أولئك الأشخاص سيئو النية، الذين لا يريدون أن يتحملوا مسؤوليتهم السياسية والأخلاقية، بل الأكثر من ذلك يريدون تعميق أزمة الانتظار، وبالتالي الاستفادة من الوضع القائم.
نعم، قد يكون الانتظار واقعا معيشا، لكنه ليس قدرا محتوما على النخب والشعوب، فهو ظاهرة ترتبط في أحايين كثيرة بضعف ذاتي مرتبط بعدم القدرة على خلق المبادرة، أو تجميد المشاريع للإيحاء بالأزمة، في حين أن الأزمة الذاتية للبعض أو حتى فشلهم، والذي يفترض منه أن يرحلوا، سيكون هذا الحكم الأخير وسيلة لتدمير كل شيء، وكأن السحاب السياسي يتحرك بإرادتهم.
وأما الحواريون من السياسيين والمثقفين، الذين ينصهرون في ثقافة الانتظار، فهم في حقيقة الأمر أشخاص عاجزون عن التعبير عن آرائهم ومواقفهم، وعوض البحث في شقاء الفكر وحرقة الأسئلة وجرأة الأسئلة، يفضلون الانصهار في ثقافة الانتظار.
فلا يمكن أن نضحي برصيدنا من الزخم الوطني والحركة المجتمعية التي عشناها منذ الاستقلال لكي نقتلها بالانتظار، فكل شيء قد يعوض في الحياة، إلا الزمن السياسي للشعوب الذي يضيع في الانتظار، فالزمن السياسي مسؤوليتنا جميعا.
التعليقات مغلقة.