“الدعارة المثلية” .. رحلة على رصيف المتعة والمال
اش واقع تيفي / رآي
أخذت الشارع مشيا بعد منتصف الليل، كنت أعلم أنهم يتسامرون هناك في مرقدهم الدائم عند أدراج مبنى المحافظة العقارية، تواريت خفية أن يروني فيظنون أنني أقصدهم لغرض غير ما هم راغبون فيه، وبقيت أتمشى قرب الجدار ماسحا كتفي بطلائه، رويدا رويدا إلى أن أطللت بجسدي عليهم، لم يهلعوا ولم يتفاجؤوا، فقط ابتسموا في وجهي، فوجدتها فرصة سانحة لتبادل أطراف الحديث، واستلهام ما يمكن استلهامه من تجارب أناس دفعهم ميولهم الجنسي لٱستنشاق رائحة الدعارة والتعرض لكافة مخاطر الأمراض المتنقلة عبر الدم والجنس .
يترامى رواد الليل، من النساء اللائي بعن أنفسهن لملذات من يدفع أكثر، و شبان في عمر الزهور، وجدوا انفسهم في مقام بائعات الهوى، يتاجرون في المتعة مقابل اموال تدخل الجيب بسهولة عكس المداخيل الأخرى التي تستلزم جهدا بدنيا أو عقليا لكسبها، وموضوع اشتغالي، كان حول هذه الفئة الثانية، مثليون يمارسون الدعارة بوجه مكشوف، يمشون في الأسواق و يأكلون الطعام، كما جميع الناس، لكنهم بعد منتصف الليل، يتحولون إلى آلات لتلبية رغبات ذكور أخرين مهووسين بأجساد رجال أمثالهم، هكذا تقول الحدوثة، لكن ما سنعرضه لكم في هذا الروبورطاج من حقائق، سيجعل القارئ الكريم يقف عند كل ما يقع داخل الأزقة وفي خلفيات السيارات، وداخل الغرف المكتومة التي تباع فيها المتعة مغلفة بتوب ممارسة منبوذة من الدين وثقافة المجتمع المتداولة .
وعكس المواضيع الأخرى التي يكون أصاحبها فرحون بإلحاق صورهم بمقالات تهمهم، اشترط علي من أمضيت في حضرتهم ليلتي الطويلة، أن لا ألتقط صورة لأي منهم، وفرضوا عليا اطفاء هاتفي، لولا أنني تحججت بتسجيلي لشهاداتهم كي أدونها في المادة، وهذا ما اقتنعوا به على مضد، وجعلهم يتحفظون على الاجابة عن بعض الأسئلة ويجيبون بالحيطة والحذر على اخرى .
رحلة استكشاف الذات
يفرق المتحدث، وهو مثلي جالسته لأكثر من ساعة، وفضل عدم الكشف عن هويته كما جل الذين حاورتهم في اطار تجميعي للشهادات الحية المتعلقة بالموضوع، -يفرق- بين المثلية الجنسية و الدعارة المثلية، معتبرا ان الأولى هي توجه جنسي يولد مع الانسان ويتكون داخل جينات معينة تجعل من المرء ميالا للجنس المماثل له، وهذا ما يعتبره مرافقي أمرا لا يدخل في سياق مخالفة الطبيعة ولا الفطرة، ويعلل ذلك بكون حتى الحيوانات تمارس المثلية الجنسية بطريقة طبيعية ما يجعل احتمالية كونها مخالفة للطبيعة غير واردة، ويعود للدعارة المثلية التي يقول أنها مماثلة لدعارة الفتيات مع الرجال، تقديم للمتعة وحصول على مقابل، وهو أمر لا يستقيم إنسانيا، لكن الواقع يسلم به خصوصا مع انتشاره في كل المدن والأزقة، ما يجعل فعل الدعارة، غير منفصل عن جنس ممارسه، سواء كان ذكرا يمارس الجنس مع ذكر أخر، أو أنثى مع أنثى، أو أنثى مع ذكر .
يضيف مرافقي، وهو شاب يكبح جماح ميولاته الأنثوية في لباسه وحديثه وتصرفاتها، إلا من انفلاتات قليلة يكاد يلاحظها المتحدث معه، -يضيف- حول قصته الشخصية، أنه بدأ يبرز داخله كيان أنثوي موازي لجسده الذكوري منذ أن بدأ في استشعار ذاته وهو صغير، وكان يحاول أن يغطي عن انجذابه للذكور بعدوانيته اتجاههم، ما جعله يعيش خارج نفسه لسنوات طوال، إلى ان تنفس “روحه المثلية” كما سماها واختار أن يصارح نفسه بأن داخله شيئا أقوى منه يجره كي يكون هو نفسه على الأقل في ممارسة ميولاته الجنسية وإن تخفى في توب الرجل الفحل في حياته اليومية .
أما أيمن، وهو مثلي جنسي، وجدته ضمن المجموعة، فقد اعتبر ان المثلية شيء مكتسب، وأنه لولا أنه تعرض لٱعتداء من طرف جار له وهو طفل لم يتجاوز العاشرة، لما استطاع يوما أن يسلم جسده لذكر أخر مهووس بممارسات اعتبرها أيمن “شاذة”، رغم أنه أصبح يجد ظالته فيها، ويكسب قوته اليومي منها، منذ أن علم أن الدعارة وبيع الهوى مربحة جدا في الدول الأوروبية والخليجية، التي أصبحت محج المثليين والمتحولين جنسيا، منذ أن ألغي فيها قانون تجريم المثلية، وأصبح يسمح لبائعي وبائعات الهوى بأن يخرجوا بحثا عن زبنائهم دون أن يتعرضوا لأي مضايقات، وهو ما يقول مرافقي، أنه أمر أعطاه دفعة للاستمرار في استكشاف ذاته وسبر أغوار شهواته التي اعتبر أنها تطورت بشكل رهيب منذ أول مرة مورس عليه الجنس غير راغب، فتحول الآن إلى متحكم في الرغبة هو من ينسج خيوطها ويحدد حدودها .
أجساد لمن يشتريها
نزار، اسم مستعار لمثلي معروف في بلدتي الصغيرة، التقيته في ذات الليلة جالسا مع مجموعته، رغم أنني كنت أحمل موقفا مسبقا منه بحكم ما تجود به قريحة الشارع عنه من “دعارة وفسق ومجون”، إلا انني اخترت ان اجلس لأحاوره قليلا، سألته بعد أن كشفت عن هويتي و أبدى رغبة طفولية في الحديث معي، -سألته- عن ما الذي اخرجه في هذه الليلة الدافئة الى هذا المكان المشبوه هو وأصدقائه، فما كان منه إلا أن ضحك ضحكة أنثوية، وقال لي “واش ماعارفش علاش زعما” أجبته بٱبتسامة باردة، فرد علي بدلال “خارج نضبر على راسي” أي أنه هنا من أجل كسب قوت يومه، أي قوت هذا ؟ تبسم قليلا، وقال لي أنه ينتظر زبونا سبق واتصل به من أجل ليلة حمراء، ركزت على هوية الزبون، فأطال الصمت كأنه لن يجيب .
أعدت سؤال نزار عن زبائنه، فقال ضاحكا بعد تردد، هم من كل الطبقات، فلاحون يبحثون عن أين يهدرون أموال الغلة، وأساتذة ثم محامون، بل أحيانا قضاة وسياسيون متخبون في رداء العفة صباحا، يتحولون الى وحوش ينهشون لحومونا بعنف كل ليلة مقابل مبالغ لا تعني لهم شيئا وتعني لنا الشيء الكثير، هكذا أجابني مرافقي الى أن وقف الدمع على حافة عينيه، فٱستدرك الوضع، واستجمع قواه بسرعة وقال لي حتى الصحفيون منهم من يقصد بابنا، بل وكبار القوم هنا أيضل، وبعضهم لا يستطيع إحياء ليلة من الليالي دون ان يدعونا .. وكشف لي عن هوية بعض رواد المتعة في بلدتي الصغيرة الى ان بقيت مصدوما واقفا في مكاني اعاين هول الكلمات التي تخرج من فمه .
انتقلت الى اخر كان يجلس قربنا وهو يرتدي لباسا نسائيا ، أبرز ثدياه اللذادان يعلم الله من أين حصل عليهما، وأبدى استعداده للإجابة عن أسئلتي والتقاط صورة معي حتى إن أردت نشرها في الجريدة كما قال، اكتفيت بسؤاله عن ما جناه منذ يوم اختار رصيف شارع محمد الخامس بمدينتي الصغيرة سيدي قاسم، فهمس في أذني بكلمة نابية، وقال “لا شيء” ، أدفع ايجار غرفة اكتريها منذ سنوات في حي رث، لا أجد أ ما أسد به رمقي خصوصا حين يحل فصل الشتاء ويغيب الراغبون في نعومة خدماتنا، مضيفا أنه يحلم بالهجرة الى تركيا من أجل أن “يطور تجارته” قالها هازئا، لكنها حقيقة، ففي كل الأحوال ينتهي المطاف بعاهرات وعاهري المغرب في مواخير اسطنبول يستلقون على ظهورهم في سوق يدفع فيها الخليجيون أكثر .
هجرة من أجل الخلاص
مثليو الميول الجنسي الطبيعيون، يسعون الى الهجرة نحو بلدان اخرى بغية البحث عن مرتع لممارسة حقهم الطبيعي في تلبية رغباتهم بعيدا عن أعين السلطة والمجتمع، وهذا أمر يدخل في اطار الحرية الخاصة للأفراد، في حين يحج ممارسو “الدعارة المثلية” الى دول تتقبل الدعارة من اجل تقديم خدماتهم الجنسية لمن يدفع المبالغ المتعارف عليها في سوق “بيع اللحوم” .
تركيا مثلا، أصبحت من اكثر الدول التي يحج لها ممتهنو الدعارة في دول شمال افريقيا، وهذا راجع الى عدة دوافع اهمها ان المحكمة الدستورية التركية سبق وأصدرت قرارا ، بعدم جواز فرض عقوبة على المثليين الذين يقفون في الشوارع والطرقات لانتظار الزبائن في الشارع، وهذا استناداّ الى القانون الجنائي التركي الذي قنن الدعارة بموجب قانون اقترحه حزب العدالة والتنمية وصادق عليه البرلمان في 26 سبتمبر عام 2004 ودخل حيز التنفيذ في الأول من يونيو سنة 2005 .
لهذا اعتبر نزار، في حديثه معي، ان حلمه كان ولا زال هو ان تتاح له الفرصة للذهاب الى الامارات العربية المتحدة أو قطر او تركيا، بآعتابرها دولا اكثر تسامحا مع المثليين، وبإمكانه هناك أن يعيش حياته الطبيعية ويحصل على الزبائن بسخاء دون ان يتعرض لأي مضايقات، كاشفا انه في أولى خطواته لإخراج تأشيرة من أجل الهجرة نحو قطر .
أما أيمن، فكان طموحه أكبر من ذلك، ويريد الهجرة نحو بلد أوروبي من أجل أن يعيش حياة طبيعية كما يقول، حيث يجد نفسه في بيت واحد مع شخص يحبه دون أن يكون في حاجة الى بيع لحمه من أجل ان يعيش، مضيفا انه لو كان يريد ان يعيش حياة الترف لبقي هنا في المغرب، فزبائنه من علية القوم، وهو يمتلك بيتا وقدرا من المال “حوشه” من اشتغاله لسنوات على الرصيف، لكنه يحكي انه يريد ان يغادر عالم “القوادة” و “الدعارة” الى حيث يستطيع عيش أدميته بسلام، وكان هذا ما ختمت به جولتي الليلية في انتظار ان أكملها بحثا عن تفاصيل اكثر عن المثليين المتخفين وراء ستار الخوف .
مثليون خلف الستار
تحتشم الدراسات والإحصائيات التي تطرقت لموضوع المثلية الجنسية في المغرب، لكن حتى تلك التي صدرت، فإنها تطرقت بالأساس لممتهني الدعارة المثلية، أولئك الذين تحدثنا عنهم سابقا ويدخلون في خانة ” النفط مقابل الغذاء”، لكن الطبقة الأوسع، والتي لا يستطيع المرء تحديد عدد المنتمين لها، هي شريحة المثليين المتخفيين وراء ميولاتهم خوفا من ردة فعل المجتمع، واختباءاد مما قد يسببه الكشف عن هويتهم الجنسانية من مخاطر على علاقاتهم الانسانية ومكانتهم الاجتماعية بالاضافة الى كيفية نظرة المجتمع الى من يخالف ميوله الجنسي الميول السائد .
أعرفه قبل سنوات، ليس من السهل أبدا ان يدعك تلج عالم حياته الخاصة، موصد كقفل به صدأ، لكن شكله غريب، شعره أشعت، ويرتدي ملابس تثير علامات التساؤل والاستعجاب، ، علمت يوما بالصدفة أنه على علاقة مع شاب أخر، استغربت قليلا، لكن الأمور تسير هكذا دائما، سألته في معرض كتابتي لهذا الموضوع، عن ما الذي يجعله محتشما في إظهار وإبراز ميولاته، فأجابني بأنه ليس في حاجة الى كل تلك العراقيل التي يضعها المجتمع في وجه مثليي الجنس، مضيفا أنه يحب ان يعيش حياته بشكل طبيعي بعيدا عن أعين المتربصين و “حماة العقيدة” كما قال .
سمعت منه الكثير عن وضعيته، ووضعية عدد كبير من أمثاله، يقول أنهم يحبون عيش نزواتهم الجنسية كمثليين وحياتهم اليومية كمواطنين عاديين مثل الجميع، وهذا ما يجعلهم يحجبون عن الأخرين جزء كبيرا من خصالهم وطبائعهم، كي لا تتم مضايقتهم من طرف المحافظين و “أهل الهوموفوبيا”، كما كرر مرافقي أكثر من مرة على مسامعي قبل أن ينهي معي حديثه بواقعة غريبة حكاها لي تفيد أن شابا دائما السب والشتم للمثليين في وسائل التواصل الاجتماعي هاتفه يوما بعد منتصف الليل وهو تحت تأثير مخدر كي يحكي له عن مدى حبه له وإرادته ان يجتمع معه في غرفة واحدة لليلة واحدة وهو يستجديه إلى ان رُبِطتْ بينهما اتصالات جسدية متكررة في الأخير .
أسامة بوكرين
التعليقات مغلقة.