أش واقع تيفي / مجرد رأي
في إطار الإصلاحات القضائية التي تشهدها المملكة المغربية، يأتي مشروع قانون رقم 73.24 لتعديل وتنظيم القضاء كخطوة هامة نحو تطوير النظام القضائي بما يتلاءم مع متطلبات العصر. هذا المشروع، الذي قدمه السيد وزير العدل، يهدف إلى إدخال تعديلات جوهرية على المواد المتعلقة بالتنظيم القضائي، وبالأخص المادتين 74 و75 من القانون رقم 38.15 المتعلق بالتنظيم القضائي، وذلك لتعزيز فعالية النظام القضائي وتسهيل وصول المواطنين إلى العدالة. وسنتناول أبرز مضامين مشروع هذا القانون، مع تسليط الضوء على أهدافه، وآثاره المحتملة على المنظومة القضائية في المملكة.
أولا : ماهي أبرز أهداف هذا المشروع؟
يهدف مشروع القانون رقم 73.24 إلى تغيير وتتميم القانون رقم 38.15 المتعلق بالتنظيم القضائي بما يحقق تحسينا في آلية الاستئناف على الأحكام الصادرة عن المحاكم الابتدائية التجارية والإدارية. هذا التعديل المقترح ينص على فتح إمكانية استئناف هذه الأحكام أمام الأقسام المتخصصة في القضاء الإداري والقضاء التجاري التابعين لمحاكم الاستئناف العادية. بحيث يهدف هذا التعديل إلى تقديم مزيد من التخصص في معالجة القضايا، وهو ما يعكس التوجه العام نحو تعزيز العدالة المتخصصة التي تضمن سرعة البت في القضايا وكفاءة أكبر في التعامل معها.
ويعد هذا التعديل جزءا من استراتيجية أوسع تهدف إلى تحسين توزيع القضايا داخل النظام القضائي المغربي، مع تعزيز مرونة الخريطة القضائية للمملكة. وبذلك، فإن هذا التعديل يسعى لتحقيق هدف أساسي، وهو تقريب القضاء المتخصص من المرتفقين، وبالتالي تسهيل وصولهم إلى العدالة.
ثانيـا : التوجهات الملكية وارتباطها بالإصلاحات التشريعية
إن هذا المشروع لم يكن ليظهر لولا التوجيهات السامية لجلالة الملك محمد السادس، التي تهدف إلى تعزيز سيادة القانون وتوفير بيئة قضائية تتسم بالنزاهة والشفافية. إذ تتجسد هذه التوجيهات في أهمية إنشاء بنية قضائية قوية ومتماسكة، تتلاءم مع الاحتياجات المستجدة في المجتمع المغربي، وتهدف إلى تعزيز فعالية النظام القضائي وجعل الولوج إلى العدالة أسهل وأكثر كفاءة.
وبالتالي يعتبر مشروع القانون رقم 73.24 جزءا من الميثاق الوطني لإصلاح العدالة، الذي يستهدف تحسين الأداء القضائي على مستوى المملكة، وتوفير آليات جديدة لضمان سرعة الإجراءات القضائية. ومن خلال هذا المشروع، تسعى المملكة إلى تفعيل العدالة المتخصصة، وهو ما سيساهم في تعزيز ثقة المواطنين في النظام القضائي المغربي.
ثالثـا : مكونات مشروع قانون رقم 73.24
يتضمن مشروع قانون تعديل وتنظيم القضاء عدة مكونات رئيسية، أبرزها:
- إعادة هيكلة المحاكم: تم اقتراح إنشاء أقسام متخصصة في القضاء الإداري والقضاء التجاري على مستوى محاكم الاستئناف العادية. حيث يهدف ذلك إلى تعزيز التخصص وضمان أن القضاة المتعاملين مع قضايا معينة يمتلكون الخبرة اللازمة في التعامل مع هذه النوعية من القضايا.
- توسيع نطاق الاستئناف: بموجب التعديلات، يتم فتح إمكانيات استئناف الأحكام الصادرة عن المحاكم الابتدائية التجارية والإدارية أمام محاكم الاستئناف العادية، وهو ما سيساعد على تسريع وتيرة البت في القضايا المتخصصة.
- المرونة في الخريطة القضائية: يهدف المشروع إلى تحقيق مرونة أكبر في توزيع القضايا القضائية، وذلك من خلال توسيع نطاق الاستئناف ليشمل المحاكم المتخصصة في دوائر محاكم الاستئناف العادية التي قد لا تتوفر على محاكم متخصصة، وهو ما سيساهم في تقليل المصاريف والوقت المرتبطين بالتنقل أطراف الدعوى.
- تحسين استغلال الموارد: يتضمن المشروع خطة لاستغلال أفضل للموارد البشرية واللوجستية المتاحة في المحاكم، بحيث يتم تعبئة هذه الموارد بشكل استثنائي في المحاكم الاستئنافية لدعم العمل القضائي حتى تصبح محاكم الاستئناف المتخصصة جاهزة.
رابعـا : المكاسب المتوقعة
تتعدد الآثار الإيجابية المنتظرة من تطبيق هذا المشروع، وفي مقدمتها:
- تحقيق العدالة الناجعة: من خلال تمكين الأقسام المتخصصة في محاكم الاستئناف من استئناف الأحكام التجارية والإدارية، بحيث سيحقق المشروع سرعة البت في القضايا ويزيد من فعالية النظام القضائي.
- تقريب العدالة من المواطنين: يمكن أن يساعد التعديل في تقليل تكاليف التنقل على المرتفقين، خصوصا أولئك الذين يقيمون في مناطق بعيدة عن المحاكم المتخصصة.
- استغلال أفضل للموارد: وذلك من خلال تحسين توزيع الموارد البشرية والمادية في المحاكم، يمكن تحسين الأداء العام للنظام القضائي، مما يعزز من فعاليته وكفاءته.
- تعزيز الثقة في النظام القضائي: على اعتبار أن هذا التعديل سيساهم في إظهار جدية الحكومة في إصلاح وتطوير النظام القضائي، مما يعزز الثقة لدى المواطنين في قدرة القضاء على تحقيق العدالة بشكل نزيه وفعال.
وبعد استعراض مختلف الجوانب، يتضح بما لا يدع مجالا للشك أن مشروع قانون رقم 73.24 الرامي إلى تغيير وتتميم القانون الحالي المتعلق بالتنظيم القضائي يعد خطوة هامة نحو تحقيق إصلاح شامل في النظام القضائي المغربي. من خلال توسيع إمكانيات الاستئناف وتوفير أقسام متخصصة، بهدف تحسين أداء العدالة وتسهيل وصول المواطنين إليها. كما يعكس هذا المشروع التوجهات الملكية السامية نحو تعزيز فعالية النظام القضائي وتوفير بيئة قضائية تستجيب لمتطلبات العصر. وفي نهاية المطاف، يعتبر هذا المشروع جزءا من جهود مستمرة لتحسين النظام القضائي في المملكة وتحقيق العدالة لجميع المواطنين بشكل أسرع وأكثر كفاءة.
ياسيــن كحلـي
مستشار قانوني وباحث في العلوم القانونية
تعليقات
0