أش واقع تيفي / هشام شوراق
في خطوة جريئة لإعادة الاعتبار للقراءة العميقة والفكر النقدي في زمن تهيمن فيه الخوارزميات والذكاء الاصطناعي على الساحة المعرفية، أطلق ملتقى “كُتُب 2025” فعالياته بالجديدة، هذا الحدث، الذي يهدف إلى أن يكون “مختبر للمستقبل”، نجح في يومه الأول في إثبات أن المبادرة الثقافية هي العلاج الوحيد لـ “السطحية الرقمية”، وأن الكتاب المطبوع لا يزال هو القلب الناضج للحضارة والإبداع، حيث تصدرت نقاشاته الحادة ملفات محورية كـ “أدب السجون” و”مستقبل الفنون”، ليؤكد بذلك أن مبادرات مثل هذه هي ضرورة قصوى لانتشال الوعي العام من الإغراق الرقمي.
لقد بات من المسلم به علمياً أن القراءة المتعمقة للكتب تعزز الذاكرة العاملة وتحسن التركيز وتطور مهارات التعاطف من خلال التقمص الوجداني للشخصيات الروائية وفي عصرنا الحالي، حيث يتم قصف الإنسان بوابل من المعلومات السريعة والمجزأة، يمثل “كُتُب 2025” دعوة قوية لاستعادة هذه الملكات المعرفية المهددة بالانقراض، الملتقى هو مبادرة جميلة لتعيد الإنسان بصفة عامة إلى قراءة الكتب، لضمان استمرار تشكيل الوعي النقدي القادر على التمييز بين المعرفة الحقيقية والمعلومات المضللة.
وقد ترجمت هذه الأهداف النبيلة إلى واقع ملموس في اليوم الأول من الملتقى، الذي استضافته جمعية الأعمال الاجتماعية، حيث تميز بلقاءات ملهمة ومناقشات ثرية في أجواء ودية وعفوية فالمحاضرون والأساتذة، ومنهم جان فرانسوا كليمان، جيرار شالاي، نعيمة الواجيدي، وعثمان زيني، فتحوا ملفات فكرية كبرى، وتصدرت طاولة النقاش موضوعات ذات أهمية بالغة، أبرزها “مستقبل الفنون تحت تأثير الذكاء الاصطناعي”، ومروراً بـ “أدب السجون”، وتحليل “الأدب الاستعماري وما بعد الاستعماري”، إلى جانب دراسة تطور الرواية العربية والفرانكفونية.
هذه الحوارات القيمة لم تكن جافة؛ فلقد تحول الملتقى إلى “تجربة حسية” متكاملة، حيث “تتحرك الكتب وتحاور الرسم والموسيقى” وقد أضفى العازف الموهوب عزيز الدين لحسيني بآلة العود لمسة فنية متناغمة، لتتغذى الألحان الملهمة على روح الأدب، بمشاركة الفنانين عبد الكريم الأزهر ومصطفى عاقل وسهيل.
إن النجاح الباهر والبداية الواعدة جداً لـ “كُتُب 2025” يُثبت أن الجديدة قادرة على أن تكون بالفعل “عاصمة للأدب”، وأن الشغف بالكلمة والفن ما زال حياً ويحتاج فقط إلى منصة ليترعرع، الملتقى هو أكثر من مجرد حدث، إنه نداء لتكريس القراءة كفعل مقاومة وحصن ثقافي في وجه كل ما يهدد جودة الفكر.
تعليقات
0