الجامعات التعليمية عبر العالم كانت ولا زالت أحد الخزانات المهمة للطاقات والكفاءات الشبابية والمُكَوِن الأساسي للفــكر والثقافة و الشخصية من خلال الدراسة فيها او حتى من خلال أنشطتها الموازية، و التي أذكر منها على سبيل المثال الحلقيات الفكرية و المناظرات و المسرح والتي تسهم بشكل كبير في تكوين شخصياتهم وقدراتهم وتأطيرهم أكاديميا وتربويا و تهيئهم لما بعد الجامعة، وبالتالي تعتبر مرحلة الجامعة هي إحدى أهم المراحل في حياة الشاب أو الشابة، و في تاريخ جميع جامعات العالم ستجد أن معظم الشخصيات العمومية و المرموقة هي من خريجي الجامعــات، و الجامعات المغربية ليست استثناء منها أكيد، ففقط من أجل تسليط الضوء سنعطي بعض الأمثلة على سبيل الذكــر لا للحصر لبعض الشخصيات خريجة الجامعات المغربية و التي أذكر منها الأستاذ عبدالعزيز بنعبد الله رئيس إدارة تنسيق التعريب في الجامعة العربية، وأيضا نجد العالمة و الباحثة و رئيسة قسم الفيزياء في مختبر ارغون الوطني التابع لوزارة الطاقة الامريكية و هي خريجة جامعة محمد الخامس بالرباط، وأيضا من بين الأسماء نجد الباحثة في مجال الطاقة النووية و خريجة جامعة محمد الخامس أكدال و هي أستاذة بذات الجامعة و حاصلــة على جائــــزة لـــوريال رجاء الشرقاوي مرسلي، و يكفيني القول أن ثلاث ارباع مِنْ مَن يسيرون الوطن في هذه الفترة أو في فترات قد خلت هم خريجي الجامعات المغربية، و بالتالي السؤال المطروح اذا كان كل هؤلاء خريجي الجامعات فلماذا هناك فكرة أن الجامعات مؤسسات دون أفاق؟ وإذا كان هذا الطرح صائبا فماهي الجدوى من وجود جامعات من أساسه؟.
اما جامعاتنا في احصائيات بسيطة سنجد أن عددها هو 20 جامعة تنضوي تحت لوائها ما يقــارب 60 كليــة و19 مدرسة للتعليم العالي بالإضافة الى 12 مركز ومعهد، بطاقة استيعابية تصل الى 864 289 مؤسسة، موزعة على جميع الجامعات بربوع المملكة، بحيث أن أقل طاقة استيعابية تعرفها جامعة شعيب الدكالي بمدينة الجديدة برقم 20560 طالب وطالبة في حين أكبر طاقة استيعابية تسجلها جامعة ابن الزهر بأكادير برقم يصل الى 125 208 طالب و طالبة، وهي ارقام ليست بالهينة و الرقم الإجمالي ينقسم بين مجموعة من المستويات لتجد ان الطلب و الطالبات في سلك الاجازة يصل 789 713 و يصل سلك الماستر و الدكتوراه الى 74 576 طالب و طالبة، اما الطلبة الجدد فيبلغ عددهم الى 237 640 و تبلغ نسبة الانات من المجموع العام في جميع الجامعات الى 49.78%، و هذه الأرقام هي موزعة على ما يقارب 15 مجالا و هي: المجال الرياضي ب204 من الطلبة، أما التخصص الشبه طبي 462 طالــب و طالبـــة، و التعليم الفني 7386 من الطلبة، فين حين أن مجال الترجمة يبلغ 327، أما علوم التربية فيصل طلبتها الى 1685 و مجال التكنولوجيا 14914، فين حين يبلغ عدد طلبة مجال التسيـــير و التجارة 15608 و علوم الهندسة تشهد ولوج 19158 طالب و طالبة، و طب الاسنان يبلغ عدد دارسيه الى 1901، اما الطـــــــب و الصيدلة فيبلغ عددهم 19287، أما العلوم الاقتصادية و القانونية و الاجتماعية يبلغ عدد الولجين لـــــها هو 364 462 في حين ان مجال العلوم يبلغ 104340، أما الكليات المتعدد التخصصات فتصل الى 82265 و جامعة محمد الخامس بالرباط تحتوي على 203420، هذه الاقام تعتبر أرقاما رسمية لوزارة التعليم العالي و البحث العلمي و تكوين الأطر للموسم الدراسي 2018-2019، و تبقى هذه الأرقام جد مهمة اذا ما علمنا أنها تمثل نسبة 2.5% من مجموعة ساكنة المملكة المغربية.
وبالرجوع الى موضوع هذه المقالة الذي يطرح إشكالية مهمة وهي هل حقا الجامعات المغربية هي مؤسسات بدون أفاق؟ أم أن هذه المقولة هي فقط فكرة رُسِخت لنا في عقولنا وتداولتها الأجيال على مر السنين الأخير؟، وبالتالي من الضروري أن نضع مقاربة مهمة و طرح إشكالية أخرى و هِيَ على شكل سؤال، أليست الجامعة واحدة و نفس الأساتذة و الدكاترة و المعدين؟ اليست نفس الأقسام التي يتم فيها التدريس ونفس المدرجات؟، فلماذا جزء من هؤلاء الطلبة يتميز و يجد لنفسه مكانة في سوق الشغل أو يخلق من نفسه شخصيــــة بارزة و مؤثـــرة و ذات قيمة إضافية داخل المجتمع؟؟ ولماذا آخرون يفشلون حتى في تجاوز حتى السنوات الأولى او على الاقل الاجازة أو دبلوم الدراسات المعمقة؟؟ دون الحديث عن التحصيل العلمي والمعرفي وحتى على مستوى النتائج.
إن اكبر اشكال من وجهة نظري الخاصة و التي تجعل من فكرة أن لا أفاق و لا مستقبل للشخص داخل المجتمع قد ولج للجامعة قد يُلَخَص في مجموعة من الأمور أولها الحاجة فالكل أصبح هدفه أن يحصل على دبلوم في أقصر مُدة ممكنة لِيَجِدَ عملا يثنيه عن طلب المال من أهله و لِسَدِ حاجياته وبالتالي البحث بسرعة عن شهادة ليسقط في مسألة التَسرُع، بالإضافة الى تجربة البعض من الطلبة السابقين الذي هُم في الأصل لا يبدلون أي جهد من أجل الدراسة في الجامعة و يظنون أن الجامعة مرتع للتسكع و ربط العلاقات، و عند الفشل يجب تعليق شماعة هذا الفشل على الأساتذة و المؤسسة كبناية -لمعلوماتكم البناية عبارة عن اسمنت و طوب جامد لا أقل و لا أكثر- لتفسير هذا الفشل امام الاهل و الأبوين، بل الأكثر من هذا إيهام الشخص لنفسه أن العيب في جامعته ولا يتحمل هو أو هي أي نصيب من المسؤولية و أن الظروف و البناية و الأساتـذة و الدكاترة و الاداريين و حتى الطلبة الاخرين هم ضده كأن الكون اجتمع و اتحد عليه.
إن مسألة الفكرة المسبقة التي تُرَسَخُ لدينا منذ أيام الدراسة داخل الثانويات على أن الجامعات هي مرتع لبقايا التلاميذ من حيث تحصيل النقاط، فقد أصبحت صفة طالب أو طالبة كأنها وصمة عار على جبينهم و التي تجعل من الطالب أو الطالبة يخجل منها، و التي اعتبرها شخصيا فكرة خاطئة نظرا لعدت عوامل أهمها نسبة الولوج لهذه المؤسسات و مقارنتها بنسب المتمدرسين بمؤسسات التعليم العالي الأخرى أو مؤسسات التكنولوجيا التطبيقية و مقارنة المجموع بنسبة البطالة هذا أولا، ثانيا النظر الى سوق الشغل و الذي يضع أمامنا واقع حتميا وهو ان بعض المناصب لا تمنح الى لحاملي الدبلومات الجامعية، بالإضافة الى أهم الشخصيات البارزة سواء داخل الوطن أو خارجه، و بالتالي لزاما علينا اليوم أن نغير هذه الفكر و نغيرها لأجيالنا القادمة و نقول ان العيب فينا – الطلبة و الأساتذة و الإداريين و الاهل و أصحاب التجارب- لا في مؤسساتنا التي هي فضاءات للعلم و المعرفة و قبل لوم الاخرين و ترسيخ أفكارٍ جُلُها خاطئة عن مؤسسات تصيب و تخطئ، و نحن نروج الخطأ و ننسى الصواب يجب أن نقيم انفسنا و إذ وجدنا أننا حقا ظُلِمنا فأنداك لنا الحق في وضع أفكار عن أي شيء نراه من وجهة نظرنا سلبيا أو حتى إيجابيا، و سأختم مقالتي بأبيات شِعْرٍ للإمام الشافعي رحمة الله عليه والتالي تقول :
نَعِيبُ زَمَانَنَا وَالعَيْبُ فِينَا ** وَمَا لِزَمَانِنَا عَيْبٌ سِوَانا وَنَهجُو ذَا الزَّمَانَ بِغيرِ ذَنْبٍ ** وَلَوْ نَطَقَ الزَّمَانُ لَنَا هَجَانَا الكاتب: عبد الاله رشقي
التعليقات مغلقة.