1 – الحاج “الديباناج”
شهد مسرح الهواة المغربي في سبعينيات وحتى منتصف ثمانينات القرن الماضي، حركة نشيطة من خلال أشخاص وفرق في عدد من المدن المغربية كانت تتوج بمهرجان سنوي تنظمه الجامعة الوطنية لمسرح الهواة بتعاون وتحت إشراف وزارة الشبيبة والرياضة.
وفي هذا السياق برزت أسماء مسرحية على مستويات: التأليف والإخراج والتشخيص والتقنيات والإدارة… أصبحت مرتبطة بمدنها إذ لا تُذكر مدينة إلا ويذكر معها شخص أو أكثر من المسرحيين.. وهكذا برز عبد الكريم برشيد وعبد الحق التمسماني من الخميسات.. ومحمد بلهيسي من تازة.. ومحمد مسكين ويحيى بودلال وعمر درويش ومحمد الحفيان ومحمد بوبقرات من وجدة.. ومحمد شهرمان وعبد الكريم بناني والكنيدْري من مراكش.. ومن الدار البيضاء الحاج التهامي الجمرقان ومحمد التسولي والمسكيني الصغير وبوسرحان الزيتوني وإبراهيم وردة.. ومن الصويرة الحاج مانا.. ومن أگادير عبد القادر عبابو.. ومن سلا عبد المجيد فنيش.. ومن فاس محمد الكغاط، ومحمد عادل ومحمد المريني.. ومن الجديـدة محمــد گابي، عبد المجيد نجدي، مصطفى جلبي، عبد العزيز شاكر، أحمد اخطير ومصطفى بوعسرية… وخصوصا الحاج عبد الحكيم بن سينا على المستوى الإداري والتسييري بتقلده لمنصب رئيس الجامعة الوطنية لمسرح الهواة منذ سنة 1976 إلى الآن.
يتفق مع الحاج عبد الحكيم بن سينا كما يختلف معه وحوله كثيرون، لكل مواقفه ومؤاخذاته عنه وكأنه هو من وأد المسرح في الجديدة والجامعة.. في حين يرى البعض الآخر أنه لولاه ما انتعش مسرح هاو ولا صمدت جامعته وأفرزت كل هذا الزخم من الأسماء والأعمال المسرحية والمهرجانات. إلا أن الواقع وبغض النظر عن هذه الآراء المتباينة سواء كانت مع أو ضد أو بين بين، فما اتفق حوله الجميع هو الجانب الإنساني في الرجل.. فالحاج عبد الحكيم بن سينا مهما اختلفت معه لا يمكن لك إلا أن تحبه وتتواصل معه إنسانيا بشكل حميمي.
فهو إضافة إلى مهامه الإدارية، والتسييرية والتنسيقية في وللأنشطة المسرحية والفنية والثقافية عامة، مما ينظم على الأقل بمدينة الجديدة، يهب للمساعدة ويقدم خدماته في وقتها المناسب.. بل وأحيانا يفاجئك بحل أو حلول لا ترد ببال المنظم لهذا المهرجان أو ذاك. ولهذا كنا نهرع إليه حين تغلق أمامنا الأبواب فكنت ألقبه شخصيا ب”الحاج ديباناج”. فتجده أحيانا يوفر تغذية أو إقامة لأكثر من فرد سواء بمنزله ببيت والدته الحاجة فاطنة رحمها الله بدرب بوحفيظ أو بمنزله الكائن بدرب غلف، حتى ولو لم يكن النشاط نشاطه وإنما لزميل أو صديق استغاث به حين تخلى عنه مدعم أو وقع في ورطة عجز ميزانية.. وأحيانا وفي زمن قياسي يقتنص دعما ولو رمزيا من مجلس بلدي أو محسن كريم، أو من هيأة لا علاقة لها بالفن والثقافة.. كما إنه يستطيع أن يبرمج ويخطط وينظم مهرجانا في ظرف خمسة أيام !
2 – أسلوب ديبلوماسي
كما إنه يمتاز بأسلوب ديبلوماسي في التحاور وشد الانتباه، تساعده في ذلك نبرات صوت مجلوة يمكنه أن يقنع بها سامعه بوجهة رأيه حتى ولو كان في صلبه مختلفا معه ! ولذا كان يتناول الكلمة في أكثر من محفل.. وفي حفلات التخرج المدرسية.. وسهرات افتتاح واختتام عدد من المهرجانات والتكريمات وتوزيع الجوائز وشهادات المشاركة…
ثم إن ما يحسب للرجل حبه للجديديين من المثقفين والفنانين الجادين حيث دفع بعدد منهم إلى الاستفادة من تداريب وتكوينات مسرحية وفنية مختلفة وطنية ودولية.. وأنا شخصيا كنت أول مسرحي جديدي يوفده سنة 1983 إلى مهرجان “أفنيون” المسرحي بفرنسا، حيث تلقيت هناك تكوينا في بعض الشُّعَب المسرحية على رأسها فن التشخيص لاسيما الإيمائي منه (البانتوميم).. حين كنت أقلد تشارلي شابلن. سيوفد من بعدي الصديق محمد گابي الذي اشتغل معه في مصلحة الأنشطة التربوية بنيابة التعليم بالجديدة والذي سيخلفه فيها بعد تقاعد الحاج سنة2017. كما أوفد من بعده السيد الخضرواري وهو فاعل جمعوي ومسرحي من سيدي بنور، استطاع أن يربط علاقات متينة هناك حصل بفضلها على منحة دراسة اللغة الإنجليزية بأميركا، تخرج على إثرها أستاذا مدرسا لهذه المادة بباريس حيث لا زال يقيم ويشتغل حتى الآن.
وقبل “أفنيون” أوفدني الحاج ابن سينا عام 1979 للمشاركة في الدورة الثالثة للمهرجان العربي الذي نظم بالرباط، وكان هذا هو أول مهرجان عربي قارّي أساهم فيه حيث كنت أقدم العروض الفنية المسرحية بالخصوص ثم الموسيقية بأهم وأكبر خشبات المدينة كالمسرح الوطني محمد الخامس وساحته الكبرى أمام محطة القطار أمام آلاف المتفرجين… الشيء الذي منحني أولا مناعة الخجل أو الرهبة من اللقاء المباشر مع الجمهور.. كما علمني بشكل أو بآخر تقنيات التقديم والارتجال وإنقاذ الموقف فيما يسمى بلحظات البياض أو الفراغ.. فالتنشيط الفني ليس بالأمر الهين. كما أنه ساعدني في إدارة وتنشيط في الدورات الأولى، الثانية والثالثة للمهرجان السينمائي الذي أديره: “الأيام السينمائية لدكالة بالجديدة” (2010//2012/2013).هذا دون إغفال وساطته لدى أخيه رضا بن سينا رحمة الله عليه، الذي منح هذا المهرجان أيضا – ومجانا – قاعة الأفراح التابعة له (عبير) الموجودة على طريق سيدي بوزيد، لتنظيم حفلتَيْ اختتام الدورتين الثانية والثالثة.
كما إن ابن سينا يسعى لحل الخلافات التي تقع بين الزملاء في سائر القطاعات الفنية والثقافية بالمدينة.. وكم مرة عمل على جمع شمل الجمعيات المسرحية المتطاحنة دائما ومن أجل لا شيء، في أعمال مسرحية مثلت الجديدة في أكثر من مهرجان ولقاء داخل وخارج المغرب.
ترأس الحاج عبد الحكيم العديد من المؤتمرات والجمعيات بما فيها ما يتعلق بالمسرح والتربية المدرسية والرياضة والبيئة والبحر وتجميع الطحالب والتعاونيات الفلاحية والاتحادات… كما شارك كممثل في عدد من الأعمال الدرامية فوق الخشبة وأمام الكاميرا في الشاشيتن معا.. لكنه وفي إحدى سفرياته الكثيرة خارج المغرب، وبالضبط في بغداد بالعراق، إبان انعقاد المهرجان العربي للشباب سنة 2012 انفجرت سيارة مفخخة بزقاق كان يمر بقربه، فطوحت به قذيفة عدة أمتار كادت تودي بحياته أصيب على إثرها إصابة بليغة في إحدى رجليه أثرت عليه حاليا بشكل ملحوظ. لكنه رغم ذلك لازال مواظبا على حضور عدد من الأنشطة التي تنظم بالمدينة، ولازال يتنقل بسيارته داخلها، كما لازال دائم الابتسام والتواصل دون أن يتخلف عن تقديم العون والمؤازرة ولو فقط من باب الاقتراح والنصح متى طلب منه ذلك. ويشغل حاليا منصب الفضاء الثقافي التابع لمؤسسة محمد الخامس والتضامن والجماعة الحضرية لمدينة الجديدة، الموجود مقره بحي السعادة 3.
3- ابن سينا ناقد سينمائي.. والخضري رئيس الجامعة !!
أجري مع الحاج عبد الحكيم بن سينا العديد من المقابلات الصحفية كما استضيف في كثير من البرامج الإذاعية والتلفزيونية، ضمنها برنامج (صُنّاع الفرجة) الذي بُثَّ ليلة الأحد 16 شتنبر 2018 في القناة التلفزيونية الأولى، وكان مخصصا للمطرب الشعبي بوشعيب الجديدي، استضاف خلالها بعض الأسماء المحلية المهتمة بالشأنين الفني والثقافي بالمدينة، للتحدث عن تجربة بوشعيب وعن مساره الفني، ومن ضمن هذه الأسماء الحاج عبد الحكيم بن سينا. إلا أن الخطأ الفظيع الذي وقع فيه صُناع “صناع الفرجة” وعلى رأسهم مخرجه العربي توت ومعده الزميل الحسين العمراني هو: أنهم كتبوا تحت صورة السيد عبد الحكيم بن سينا وهو يتكلم، الاسم والنعت التاليين:
” ذ. خالد الخضري: ناقد سينمائي ومهتم بالتراث” ؟؟ كما تدل على ذلك الصورة المرفقة والتي التقطت من شاشة التلفزيون .
لكن وبغض النظر عن هذا الخطأ، فهو بالنسبة لي تشريف أن يوضع اسمي ونعتي تحت صورة الحاج عبد الحكيم بن سينا. مما يحيل أن تمة قواسم كثيرة تجمعني بهذا الرجل على رأسها مدينتنا الجميلة “البريجة” وأشياء أخرى حتى وإن حل بعضها من باب الصدفة أو الخطأ التقني !
حظي الحاج عبد الحكيم بن سينا بالعديد من التكريمات داخل وخارج مدينة الجديدة وطنيا، عربيا ودوليا.. كما قاد عددا هائلا من التظاهرات الفنية والثقافية والتربوية سنتوقف عند مجملها عبر محطات سننشرها لاحقا إن شاء الله تتميما لهذ الورقة.
نشرت في هذا الموضوع مادة تحت عنوان: (سبحان مبدل الأسماء )!! في صفحتي على الفايس بتاريخ: 20 سبتمبر 2018.. كما في بعض الجرائد الإلكترونية المحلية ضمنها جريدة “أصداء مازغان” للزميل مصطفى راجين، هذا رابطها لمن أراد الاطلاع عليها مفصلة .
خالد الخضري
التعليقات مغلقة.