اش واقع – عبد المجيد الإدريسي
في الوقت الذي يتقدم فيه المغرب على درب التنمية، يبدو أن هذا التقدم يرافقه ضعف متزايد في شعبية الدولة وتزايد السخط بين المواطنين. فالتوجهات السياسية الحالية، التي قد تزيد من ثراء الحاكم، لن تقوي النظام بقدر ما ستضعفه، وتزيد من عبء ديونه وتبعيته للقوى المقرضة. وبدلاً من تبني سياسات تعزز من تماسك المواطنين وانتمائهم للوطن، اختارت الدولة المغربية مسارًا يؤدي إلى عزوف المواطنين عن العيش في المغرب، ورغبتهم في الرحيل بأسرع وقت ممكن.
الوضع الاقتصادي والاجتماعي في المغرب لا يسمح بكل هذا التبذير. لا يمكن تبرير تخصيص مرتبات دسمة للملك والأمراء وكل هذا الكم من الوزراء وكبار الموظفين، في وقت يفرض فيه الواقع تقليص هذه الأجور، وتقليل عدد المناصب الحكومية، وإلغاء تقاعدات ومعاشات البرلمانيين والوزراء. هذه السياسات لا تتماشى مع مصلحة البلاد ولا مع مقتضيات عقلنة النفقات الميزانياتية. إنها سياسات تغني المسؤولين الحكوميين، وهو ما ليس عيباً في حد ذاته، ولكن ليس على حساب تفقير المواطنين واستنزاف خيرات البلاد التي يجب استثمارها في مشاريع تنموية تحل أزماتنا وتخرجنا من التخلف الذي نتخبط فيه.
هذه العقلية قد أسهمت في نفور العديد من المغاربة الذين غادروا البلاد، وأصبحوا رافضين للعودة للاستقرار فيها مجدداً. كما حولت آخرين من موالين للنظام إلى معارضين له. إذا استمرت هذه السياسات، فإن مخلفاتها السلبية ستظل قائمة هي الأخرى.
إن ما يقتضيه الواقع هو العقلنة في النفقات الميزانياتية، كما تقتضيه القيم الوطنية الحقيقية. الوطنية لا تنحصر في المناداة بمغربية الصحراء أو التهليل للمبادرات الملكية، ولا في رفع الراية الوطنية أو أخذ صور بالكركرات. فكل هذا قد يكون مجرد رياء أو تملق.
الوطنية الحقيقية أكبر من ذلك بكثير. إنها تتطلب من مسؤولي البلاد محاربة الفساد والمفسدين، وإجراء إصلاحات تصب في خدمة الوطن والمواطنين، وقطع الطريق أمام العقلية الأنانية واللاوطنية التي ترفض كل إصلاح يضر بمصالح النخب الحاكمة. كما تتطلب القطع مع العقلية الاستعلائية المحتقرة للشعب، والرافضة لسماع كلمته، والتي تفرض عليه سياسات لا تعبر عن إرادته ولا تطلعاته.
إن المستقبل الأفضل للمغرب لن يتحقق إلا بتبني سياسات إصلاحية جادة تعيد الثقة بين الدولة والمواطن، وتحقق العدالة الاجتماعية والتنمية المستدامة. وبدون ذلك، سيظل التقدم الاقتصادي وهمًا، ومصداقية الدولة تتراجع يومًا بعد يوم.
التعليقات مغلقة.