أسامة بوكرين
لعبت الحركات الاحتجاجية التي اندلعت في مطلع سنة 2011 دورا كبيرا في تطور وسائل الإعلام في العالم العربي بشكل عام والمغرب بشكل خاص، حيث كانت حركة “عشرين فبراير” هي المحطة الفاصلة التي ساهمت في توسيع هامش الحرية وتوفير فضاء أمرح لممارسة إعلامية يفترض فيها مواكبة التحولات الاجتماعية الكبرى التي شهدتها المنطقة.
ويمكن ملاحظة هذا الدور لذي قامت به الاحتجاجات الاجتماعية من خلال تصاعد وتيرة إقبال القارئ والمتلقي على المواد غير النظامية وغير الخاضعة للرقابة والقواعد المتشدّدة لصناعة الخبر والمادة الصحافية وهو ما توفّر من خلال الصحافة الإلكترونية ووسائل التواصل الاجتماعي، هذه الأخيرة التي شكلت نافذة جديدة لمجموعة من القيادات والوجوه الجديدة وغير الكلاسيكية التي ظهرت في الفضاء العام في تلك المرحلة.
لقد تضاعفت أعداد المواقع الإلكترونية في المغرب مع بداية سنة 2011 بشكل كبير عبر إنساء عدد من المدونات المواقع التي وجدت من أجل مواكبة الاحتجاجات التي كانت تشهدها مختلف المدن والأقاليم المغربي.
هذا الانتشار الكبير للمواقع تغدى على الضعف القانوني الذي مان يعرفه القطاع في تلك المرحلة وبالأخص في الشق المتعلق بتأسيس المواقع
الإلكترونية ومواكبتها لقانون الصحافة والنشر الصادر في أكتوبر 2002 والذي لم يكن يعتبر بالصحافة الإلكترونية بل وضع إطار عام للصحافة الورقية استغله المشتغلون في الإعلام الرقمي من أجل اكتساب الشرعية القانونية لإصدار المنشورات الإلكترونية وتقنينها.
وكان قانون الصحافة والنشر لسنة 2002 يقول في الفصل الأول :
إن حرية إصدار الصحف والطباعة والنشر وترويج الكتب مضمونة طبقا لهذا القانون.
للمواطن الحق في الإعلام.
ولمختلف وسائل الإعلام الحق في الوصول إلى مصادر الخبر.
والحصول على المعلومات من مختلف مصادرها ما لم تكن هذه المعلومات سریة بمقتضى القانون.
تمارس هذه الحريات في إطار مبادئ الدستور واحكام القانون وأخلاقيات المهنة.
هذا الفصل ساهم بشكل كبير في دفع عدد من الصحافيين الذي كانوا يشتغلون في الصحافة الورقية إلى تأسيس مقاولات إعلامية مع إصدار منشورات إلكترونية بنفس الصيغة القانونية لإصدار الجرائد الورقية رغم عدم إشارة قانون سنة 2002 للصحافة الإلكترونية وكذلك عدم التطرق لها في الاتفاقية الجماعية للصحافيين المهنية الصادرة أيضا سنة 2005.
وضمن دستور 2011 بشكل لا يقبل أي نقاش توسيع هامش الحرية في الحق في ممارسة الصحافة بالمغرب حيث اعتبر أن “حرية الصحافة مضمونة، ولا يمكن تقييدها بأي شكل من أشكال الرقابة القبلية” كما أطلق دينامية جديدة لخلق بيئة تشريعية وتنظيمية جديدة للممارسة الصحافية.
دستور 2011 والوضع السياسي والاجتماعي في المنطقة أعطى دفعة كبيرة على مستوى عملية الانتقال من الوسائل الإعلامية التقليدية المتمثلة في الصحافة الورقية والتليفزيون والراديو نحو الإعلام الجديد الذي ارتكز على الشبكة العنكبوتية في جميع عمليات انشاء المنشورات الصحافية عبر الارتكاز على الانترنت ووسائل التواصل الاجتماعي.
لم تنفصل يوما عملية تطور المشهد الإعلامي في المغرب عن التغيرات الاجتماعية والسياسية التي عرفتها المنطقة خصوصا في علاقة نوعية المادة الإعلامية المقدّمة مع الوضع العام في البلد.
ولعب الربيع العربي دورا مهما في فتح الباب أمام العاملين في قطاع الصحافة بالمغرب من أجل ولوج عالم الرقمنة بشكل ملفت في حينه من جهة وكذلك في دفع القارئ التقليدي العادي إلى الولوج إلى المواقع الالكترونية من أجل تتبع أخبار حراك “عشرين فبراير” والأحداث السياسية المرافقة له.
وسجّل موقع “Smartmaroc-n ” بأن ثلاثة مواقع إلكترونية إخبارية هي التي احتلت لائحة الكلمات الأكثر تأثيرا في المغرب خلال سنة 2011 وهي :
هسبريس Hespress – :وهي الكلمة الأكثر بحثا في محركات البحث بالمغرب في تلك السنة وهي إسم الموقع الإخباري الأكثر مقروئية منذ تلك الفترة.
هبة بريس Hibapress – : وهي الكلمة الثانية في محركات البحث سنة 2011 بالمغرب وهي أيضا لمنصة إخبارية مغربية.
الجزيرة Aljazzera – : هي الكلمة الثالثة في محركات البحث بالمغرب في سنة 2011 وهي منصة إخباري إٌليمية كانت تهتم بالحراكات الاجتماعية في المنطقة.
وبما أن الإقبال على كل ما هو رقمي تزايد مع حلول سنة 2011 واندلاع احتجاجات الربيع العربي فإن المغاربة وبعيدا عن المنصات الإخبارية كان موقع فيسبوك الاجتماعي هو الأكثر بحثا عنه في محرك Google ويليه موقع Youtube لرفع الفيديوهات إضافة إلى من المواقع الأخرى التي تهتم بمختلف مجالات الحياة الأخرى.
يمكننا القول بأن مسيرة تطور وسائل الإعلام في المغرب شهدت قفزة نوعية في سنة 2011 باندلاع حملة تأسيس الصحف الإلكترونية وما تلى ذلك من تطور للمنظومة القانونية المؤطرة لهذه العملية وكذلك ما يتعلق بالمناخ السياسي المحيط بعملية تطوّر هاته الوسائل ومدى تأثير هذا المناخ عليها.