أش واقع تيفي / هشام شوراق
في مدينة الجديدة الساحلية جنوب الدار البيضاء وُلد طه عبد الرحمن عام 1944 وسط أجواء مغربية تقليدية ومناخ عائلي متشبع بالقيم الدينية والأخلاقية نشأ في كنف أسرة محافظة وكان والده فقيهًا وصاحب كتاب قرآني مما جعل الطفل طه يحفظ القرآن الكريم في سن مبكرة ويتشبع بروح اللغة العربية ومعانيها العميقة منذ صغره.
أكمل تعليمه الابتدائي بمدينة الجديدة ثم التحق بثانويات مدينة الدار البيضاء وهناك بدأت تتشكل ملامح شخصيته الفكرية حيث أبدى اهتمامًا خاصًا بالمجال الفلسفي والمنطقي قبل أن ينتقل إلى العاصمة الرباط لمتابعة دراسته الجامعية حيث حصل على الإجازة في الفلسفة من جامعة محمد الخامس سنة 1967.
انطلق طموحه العلمي خارج المغرب ليتوج بدراسة الدكتوراه في جامعة السوربون الفرنسية سنة 1972 حيث تناول في رسالته موضوعًا دقيقًا في منطق اللغة ثم عاد إلى المغرب ليحصل على دكتوراه الدولة في الفلسفة سنة 1985 بأطروحة محورية في الفكر الأخلاقي الإسلامي.
مارس التدريس الجامعي بكلية الآداب والعلوم الإنسانية بالرباط وساهم في تكوين أجيال من الطلبة الباحثين كما تميز بمشروع فكري متكامل يجمع بين العقلانية الفلسفية والروحانية الإسلامية حيث حاول من خلاله بناء تصور جديد للفلسفة ينطلق من خصائص الفكر الإسلامي ويستجيب لتحديات العصر.
انخرط طه عبد الرحمن في مسار فكري نقدي توجه فيه إلى مساءلة الأسس الفلسفية الغربية الحداثية وقدم بديلًا مفاهيميًا قائمًا على ما يسميه “الفكر الائتماني” الذي يجعل من الأمانة والمسؤولية جوهرًا للفعل الفلسفي والفكري واعتبر أن الأخلاق لا يجب أن تكون مجرد مبادئ نظرية بل ممارسة وجودية تعكس صدق الالتزام بالحق والعدل.
من أبرز مؤلفاته كتاب الحق العربي في الاختلاف الفلسفي وسؤال الأخلاق وروح الدين وبؤس الدهرانية وهي أعمال تتقاطع فيها المنهجية المنطقية مع المقاصد الروحية حيث تتميز كتاباته بعمقها التحليلي ودقتها الاصطلاحية واستقلالها المنهجي عن النقل الحرفي للفكر الغربي.
لا يزال طه عبد الرحمن حاضرًا بقوة في الساحة الفكرية العربية والإسلامية رغم تقاعده حيث تُناقش أعماله في الجامعات ويُستشهد بأطروحاته في الحوارات الكبرى حول الدين والأخلاق والحداثة ويُعتبر من بين أبرز المفكرين المعاصرين الذين أعادوا للفكر الإسلامي بعده الفلسفي دون أن يفصلوه عن أصوله الروحية والمعنوية.
تعليقات
0