مرة أخرى يدفع شاب مغربي حياته ثمناً لإهمال قاتل وفشل مزمن في تدبير الشأن المحلي فقد اهتزت جماعة الصباح المتواجدة بضواحي مدينة الصخيرات على وقع فاجعة مروعة راح ضحيتها قاصر لم يتجاوز السادسة عشرة من عمره بعدما تعرض لهجوم دموي من طرف كلاب ضالة نهشت جسده في مشهد وحشي لم يكن ليقع في دولة تحترم حياة أبنائها لكن ما وقع في جماعة الصباح ليس استثناء بل هو نتيجة طبيعية لسنوات من الصمت واللامبالاة تجاه تنامي ظاهرة الكلاب الضالة التي باتت تهدد أرواح المواطنين في القرى والمدن دون أن تحرك المجالس الجماعية ساكناً رغم صيحات السكان المتكررة.
المثير للسخرية السوداء أن الحكومة سبق أن خصصت ميزانية تقدر بثمانين مليون درهم لمحاربة الكلاب الضالة وهي ميزانية ضخمة تم الإعلان عنها تحت قبة البرلمان في خطاب رسمي لوزير الداخلية عبد الوافي لفتيت الذي تحدث عن مشروع متكامل يشمل إحداث مائة وثلاثين مكتبًا جماعيًا لحفظ الصحة موزعة على ألف ومئتين وأربع وأربعين جماعة ترابية دون أن يسأل أحد عن مآل هذه الأموال ولا عن الجهات التي نالت الصفقات ولا عن الرقابة التي كان يفترض أن تصاحب هذا المشروع لكن رغم هذا الاستثمار الكبير يموت طفل قاصر بين أنياب كلاب مفترسة في جماعة قروية مهمشة لم يصلها من المشروع سوى التصريحات الفارغة فهل هي ميزانية لمحاربة الخطر أم مجرد غنيمة للمقربين في غياب أي تتبع حقيقي أو مساءلة فعلية لمن أفسد وأهدر وترك الناس يواجهون الموت وحدهم.
لم تكن الفاجعة لتحدث لولا سياسة الآذان الصماء التي تنتهجها المجالس المنتخبة محلياً والتي عجزت حتى عن كنس الشوارع من الخطر الحيواني فما بالك بحماية الأطفال والنساء والمسنين من هذه الجحافل المتوحشة التي تتجول بحرية وسط الأحياء وكأنها في محمية طبيعية كلما ارتفعت أصوات السكان المنكوبين بالشكوى قوبلت إما بالتجاهل أو بذر الرماد في العيون تحت مسميات الحفاظ على التوازن البيئي أو مراعاة حقوق الحيوان وهي شعارات جوفاء تبرر التقاعس والجبن الإداري الذي جعل حياة البشر أرخص من جرو مسعور.
إننا نقف على مشارف تظاهرات كبرى واستحقاقات وطنية ومناسبات دولية ومع ذلك لا أحد يلتفت لهذا الخطر الداهم الذي يهدد صورة المغرب في الخارج قبل أن يهدد أمن وسلامة مواطنيه فكيف نروج لبلد الجمال والسياحة والتقدم بينما ينتشر فيه الموت المجاني على الأرصفة وفي الأزقة الهامشية حيث الكلاب الضالة تمارس سلطتها المطلقة وتفرض قانون الغاب على من لا حيلة لهم ولا حماية من الدولة التي تنشغل بتوزيع المنح والصفقات أكثر من انشغالها بصحة الناس وسلامتهم.
لا نحتاج لجلسات استماع أو تصريحات مرتبة نحتاج فقط لتحرك ميداني حقيقي يقوم على المحاسبة والتدخل الفوري لا على استعراض الأرقام الموجهة للاستهلاك الإعلامي فعندما تتحول حياة المواطن المغربي إلى مشروع مؤجل للتضحية وتصبح ميزانيات السلامة رهينة الزبونية والصفقات المشبوهة فإننا نكون أمام دولة تدير أزماتها بالكذب والتجميل لا بالحقيقة والمواجهة.
ما وقع بجماعة الصباح ليس أول حادث ولن يكون الأخير طالما أن لغة الخشب هي التي تسود وطالما أن حياة الأطفال الفقراء لا تساوي شيئاً في حسابات السلطة والمنتخبين من المستحيل الحديث عن تنمية أو تقدم في بلد تهاجمه الكلاب أكثر مما تهاجمه المشاريع التنموية في بلد تهدر فيه الملايين على الورق بينما تظل الشوارع حلبة مفتوحة للرعب والدموع.
لقد وصل السيل الزبى ولم يعد السكوت ممكناً فكل درهم صرف في غير محله هو جريمة وكل مسؤول علم بالخطر ولم يتحرك هو شريك في المأساة وكل من تسلق الكراسي بالوعود الكاذبة ولم يوف بعهد الحماية هو خائن للأمانة والمحاسبة الحقيقية لا تحتاج لجنازات إضافية بل لإرادة سياسية ومؤسسات تشتغل بالصدق لا بالتلاعب بالعقول.
فمن يحمي أبناء المغاربة إن لم تفعل الدولة ومن يوقف هذا النزيف الدموي إن لم يتحرك البرلمان والحكومة والمجالس المحلية الآن ومن سيحاسب كل من استفاد من المال العام دون أن يقدم شيئاً غير الصمت والتبرير والوعود المؤجلة التي نسمعها فقط حين تقع الكارثة وينتهي كل شيء.
تعليقات
0