من يبيع ومن يشتري؟ فساد الشهادات ليس خبراً عاجلاً… بل تاريخاً مسكوت عنه لسنوااااات

محمد ماكري الجمعة 16 مايو 2025 - 00:22

محمد ماكري / مدير نشر جريدة أش واقع

من يبيع ومن يشتري؟ فساد الشهادات ليس خبراً عاجلاً… بل تاريخاً مسكوت عنه لسنوااااات

ليس الأمر وليد اليوم. ما يحدث في الجامعات المغربية من فضائح بيع شهادات الماستر لا يجب أن يصدمنا. الصدمة الحقيقية هي في هذا النفاق الجماعي، في هذه الدهشة المزيفة التي تُظهر المجتمع وكأنه فوجئ بالفساد. لا، لم نفاجأ. نحن نعرف. الجميع كان يعلم. الأساتذة، الطلبة، الإدارات، أولياء الأمور، الصحفيون، النقابات، وحتى الحكومة نفسها. لكن الصمت كان سيّد الموقف… حتى أصبحت الفضيحة أكبر من أن تُغطى.

ماستر للبيع؟ … لا، “الوطن للبيع”

ماستر بمليونين أو ثلاث أو حتى ب25 مليون، شهادة تخول لصاحبها اجتياز مباريات الأطر العليا، الولوج إلى الدكتوراه، أو حتى منصب إداري بوزارة… ماذا يعني هذا؟ يعني ببساطة أن الوطن يباع بالقطعة. نحن لا نبيع شهادة فقط، نحن نمنح “حق الأفضلية” لمن لا يستحق، ونقصي من تعب وسهر الليالي. نحن نقول لأبناء الشعب: اجتهدوا إن شئتم، لكن الأبواب تُفتح لمن يدفع، لا لمن ينجح.

لكن مهلاً… متى بدأ البيع؟

قبل الماستر، هناك الإجازة. وقبل الإجازة، هناك البكالوريا. وقبل البكالوريا، هناك التعليم الثانوي والإعدادي والابتدائي. المشهد ليس جديداً. الكل يتذكر ذاك “التلميذ المعجزة” الذي لا يشارك في القسم، لكنه يحصل على أعلى النقط. الكل يعرف كيف تُمنح نقط المراقبة المستمرة. الكل شاهد الأستاذ الذي يشرح نصف الدرس في القسم، ويكمل “الجزء المفيد” في الدرس الخصوصي. الكل يعرف كيف تُبنى علاقات “المصلحة” بين بعض الأساتذة وبعض الأسر، وبين بعض التلاميذ وبعض المصححين

السؤال الخطير: هل فعلاً لدينا شهادة بكالوريا نزيهة؟

إذا كان أستاذ يدرّس تلاميذ قسمه في منزله، ويمنحهم تمارين الامتحان قبل موعده… فأي مصداقية بقيت؟ إذا كانت المعدلات تُرفع بشكل اصطناعي عبر دروس خصوصية تُباع بأسعار فلكية، فكيف نتحدث عن تكافؤ الفرص؟ هل ما زالت البكالوريا معياراً للجدارة؟ وهل الجامعة التي تستقبل هؤلاء فعلاً قادرة على غربلة الكفاءات من “المُشترين”؟

أوقفوا الشعبوية، وافتحوا الجرح الحقيقي

الخطير في ما يحدث ليس فقط أن هناك شواهد تباع، بل أن المجتمع بأكمله بات يتعايش مع الفساد وكأنه طبيعي. الأسوأ من الجريمة هو التطبيع معها. لا يكفي أن نُدين الأستاذ الذي باع الماستر، بل يجب أن نُدين نظاماً تعليمياً تواطأ مع الغش لعقود. نظام يُكافئ الولاء عوض الكفاءة. نظام أنتج جيلاً من “حاملي الشواهد” لا يفرق بين المنهجية والحفظ، ولا بين التحليل والتكرار.

حالة من الغضب

لا نحتاج إلى لجان تحقيق فقط، بل إلى ثورة تعليمية حقيقية. لا نحتاج إلى محاكمة الأستاذ، بل إلى محاكمة ضمير وطن بأكمله. لأن من يبيع شهادة، يبيع موقع قرار. ومن يشتري شهادة، يشتري سلطة غير مستحقة. وبهذا المنطق، نحن لا نسرق فقط مجهود الطلبة، بل نسرق مستقبل المغرب.

هل نجرؤ على هذه المحاسبة؟ أم سنكتفي بحفلة أخرى من “الفرجة القضائية” ونعود إلى النوم؟

تابعوا آخر الأخبار من أش واقع على Google News تابعوا آخر الأخبار من أش واقع على WhatsApp تابعوا آخر الأخبار من أش واقع على Telegram

مقالات ذات صلة

الإثنين 26 مايو 2025 - 20:07

ارفع قلمك… لا ترفع الراية البيضاء .. نحن نكتب بالحبر، وهم يكتبون بالمال… فمن يقرأ؟

الخميس 1 مايو 2025 - 23:36

الإسلاميون ورفض الرأي الآخر… عقلية الوصاية لا تموت

الجمعة 28 مارس 2025 - 20:05

ما معنى أن تكون صحفيًا؟

الجمعة 6 ديسمبر 2024 - 21:09

ما قبل “بطاقة الملاعب” وما بعدها